گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
جلد سوم
الختم و الطبع:







التعبیر بالختم أو الطبع علی القلوب، أو ما شاکلهما من تعابیر- و هی کثیرة و متنوّعۀ فی القرآن- تعبیر کنائی، تشبیها لتکلم القلوب
القاسیۀ الجافۀ بصورة صلدة مظلمۀ جامدة. فلا تصل الیها حقیقۀ هدي و لا ینفذ فیها بصیص نور. کأن بینها و بین ذلک ضخامۀ
حجاب.
.«1» -1 قال تعالی: خَتَمَ اللَّهُ عَلی قُلُوبِهِمْ وَ عَلی سَمْعِهِمْ وَ عَلی أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ
.«2» -2 و قال: قُلْ أَ رَأَیْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَکُمْ وَ أَبْصارَکُمْ وَ خَتَمَ عَلی قُلُوبِکُمْ مَنْ إِلهٌ غَیْرُ اللَّهِ یَأْتِیکُمْ بِهِ
.«3» -3 و قال: أَ فَرَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلی عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلی سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ
قال الزمخشري: لا ختم و لا تغشیۀ ثمّ علی الحقیقۀ، و انما هو من باب المجاز.
و یحتمل أن یکون من کلا نوعیه (أي نوعی المجاز) و هما الاستعارة و التمثیل. أمّا الاستعارة فان تجعل قلوبهم- لأنّ الحقّ لا ینفذ فیها
و لا یخلص إلی ضمائرها، من قبل اعراضهم عنه و استکبارهم عن قبوله و اعتقاده، و اسماعهم لانّها تمجّه و تنبو عن الاصغاء الیه، و
تعاف استماعه- کأنّها مستوثق منها بالختم.
و أبصارهم- لأنّها لا تجتلی آیات اللّه المعروضۀ، و دلائله المنصوبۀ، کما تجتلیها أعین المعتبرین المستبصرین- کأنّما غطی علیها و
حجبت، و حیل بینها و بین الإدراك. و أمّا التمثیل، فان تمثل حیث لم یستنفعوا بها فی الأغراض الدینیۀ التی کلفوها، و خلقوا من
. 1) البقرة: 7 ) .«4» أجلها، بأشیاء ضرب حجاب بینها و بین الاستنفاع بها، بالختم و التغطیۀ
صفحۀ 190 من 268
. 2) الانعام: 46 )
. 3) الجاثیۀ: 23 )
.49 - 4) الکشاف: ج 1 ص 48 )
ص: 327
و قال البیضاوي: الختم الکتم، سمی به الاستیثاق من الشیء بضرب الخاتم علیه، لانه کتم له و البلوغ آخره، نظرا إلی أنّه آخر فعل
یفعل فی احرازه.
و الغشاوة فعالۀ من غشاه إذا غطاه، بنیت لما یشتمل علی الشیء، کالعصابۀ و العمامۀ.
قال: و لا ختم و لا تغشیۀ علی الحقیقۀ، و انما المراد بهما: أن یحدث فی نفوسهم هیئۀ تمرّنهم علی استحباب الکفر و المعاصی و
استقباح الایمان و الطاعات، بسبب غیهم و انهماکهم فی التقلید، و اعراضهم عن النظر الصحیح، فتجعل قلوبهم بحیث لا ینفذ فیها
الحق، و اسماعهم تعاف استماعه، فتصیر کأنّها مستوثق منها بالختم. و ابصارهم لا تجتلی الآیات المنصوبۀ لهم فی الانفس و الآفاق،
کما تجتلیها أعین المستبصرین، فتصیر کأنّها غطّی علیها و حیل بینها و بین الابصار. و سماه- علی الاستعارة- ختما و تغشیۀ. أو مثّل
قلوبهم و مشاعرهم المئوفۀ بها، بأشیاء ضرب حجاب بینها و بین الاستنفاع بها، ختما و تغطیۀ.
و بالاغفال .«1» قال: و قد عبر عن إحداث هذه الهیأة بالطبع فی قوله تعالی: أُولئِکَ الَّذِینَ طَبَعَ اللَّهُ عَلی قُلُوبِهِمْ وَ سَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ
فی قوله تعالی:
.«3» و بالاقساء فی قوله تعالی: وَ جَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِیَۀً .«2» وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِکْرِنا
و قال- فی وجه نسبۀ ذلک إلی اللّه-: و هی من حیث أنّ الممکنات بأسرها مستندة إلی اللّه تعالی، واقعۀ بقدرته، اسندت إلیه. و من
و قوله تعالی: .«4» حیث أنها مسبّبۀ مما اقترفوه- بدلیل قوله تعالی: بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَیْها بِکُفْرِهِمْ
. 1) النحل: 108 ) .«6» وردت ناعیۀ علیهم شناعۀ صفتهم و وخامۀ عاقبتهم -«5» ذلِکَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ کَفَرُوا فَطُبِعَ عَلی قُلُوبِهِمْ
. 2) الکهف: 28 )
. 3) المائدة: 13 )
. 4) النساء: 155 )
. 5) المنافقون: 3 )
.72 - 6) أنوار التنزیل و أسرار التأویل للامام البیضاوي: ج 1 ص 70 )
ص: 328
و هکذا الآیات جاء فیها ذکر الطبع علی القلوب، تعبیرا آخر عن نفس تلک الحالۀ الجافّۀ الجافیۀ، التی تعرض نفوس اولئک
الجاحدین للحقّ المعاندین له ممّن أصرّوا علی منابذة طرق الهدي و الصلاح، و صمدوا علی العتوّ و الاستکبار. انها حالۀ قسوة هم
عملوا فی تکوینها و تربیتها فی نفوسهم العاتیۀ، مما خطیئاتهم اغرقوا.
.«1» -4 قال تعالی: وَ طُبِعَ عَلی قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا یَفْقَهُونَ
.«2» -5 و قال: ذلِکَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ کَفَرُوا فَطُبِعَ عَلی قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا یَفْقَهُونَ
.«3» -6 و قال: وَ طَبَعَ اللَّهُ عَلی قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا یَعْلَمُونَ
.«4» -7 و قال: کَذلِکَ نَطْبَعُ عَلی قُلُوبِ الْمُعْتَدِینَ
.«5» -8 و قال: کَذلِکَ یَطْبَعُ اللَّهُ عَلی قُلُوبِ الْکافِرِینَ
.«6» -9 و قال: کَذلِکَ یَطْبَعُ اللَّهُ عَلی قُلُوبِ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ
صفحۀ 191 من 268
.«7» -10 و قال: کَذلِکَ یَطْبَعُ اللَّهُ عَلی کُلِّ قَلْبِ مُتَکَبِّرٍ جَبَّارٍ
.«8» -11 و قال: أُولئِکَ الَّذِینَ طَبَعَ اللَّهُ عَلی قُلُوبِهِمْ وَ سَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ
.«9» -12 و قال: أُولئِکَ الَّذِینَ طَبَعَ اللَّهُ عَلی قُلُوبِهِمْ وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ
.«10» -13 و قال: بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَیْها بِکُفْرِهِمْ فَلا یُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِیلًا
.«11» -14 و قال: وَ نَطْبَعُ عَلی قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا یَسْمَعُونَ
تلک آیات الطبع، و قد أسنده تعالی إلی نفسه، نظرا لأنّ اللّه تعالی هو الذي أقدرهم علی ذلک، و جعل لهم الاختیار فی الرفض و
. القبول، تحقیقا لحکمۀ ( 1) التوبۀ: 87
. 2) المنافقون: 3 )
. 3) التوبۀ: 93 )
. 4) یونس: 74 )
. 5) الاعراف: 101 )
. 6) الروم: 59 )
. 7) غافر: 35 )
. 8) النحل: 108 )
. 9) محمّد: 16 )
. 10 ) النساء: 155 )
. 11 ) الاعراف: 100 )
ص: 329
التکلیف و الاختبار، حسبما تقدّم تفصیله. و فی الحقیقۀ انه اخبار عن واقعیۀ سوداء هم عملوا فی تکوینها و فی تمهید اسباب وجودها،
بما أعرضوا عن ذکر اللّه و نسوا الآخرة. و فی الآیات ما یشفّ عن هذا الجانب السلبی فی ذوات أنفسهم، کان هو السبب العامل
لتکوین الحالۀ المذکورة.
و علی نفس المنهج تعابیر آخر، کالرین علی القلوب، و الأکنّۀ علیها، و الحئول دونها، و تقلیبها، و اغفالها، و تعمیتها، و ما أشبه من
مثل کونها غلفا أو مقفّلۀ أو محتجبۀ أو مریضۀ أو زائغۀ ... الخ، کلّها تعابیر عن تکلّم القسوة و الجفاء التی انطوت علیها قلوب جاحدة
ماتت حیویتها و وقفت نبضاتها عن الفعالیۀ و الادراك الانسانی النبیل. و من ثمّ جاء التعبیر بالاموات و بالخشب المسنّدة من الجماد
و فیما یلی عرض نماذج من تلکم الآیات .«1» أیضا فضلا عن التعبیر عنهم بالحیوانات الیهم: کَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ. فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ
.«2» مضافۀ إلی ما سبق:- 15 - قال تعالی: وَ جَعَلْنا عَلی قُلُوبِهِمْ أَکِنَّۀً أَنْ یَفْقَهُوهُ وَ فِی آذانِهِمْ وَقْراً
. -16 و کذا فی سورة الاسراء، الآیۀ رقم 46
.«3» -17 و قال: إِنَّا جَعَلْنا عَلی قُلُوبِهِمْ أَکِنَّۀً أَنْ یَفْقَهُوهُ وَ فِی آذانِهِمْ وَقْراً
و الدلیل علی أنّها تعابیر کنائیّۀ و إخبار عن واقعیۀ سودائهم اکتسبوها، قوله تعالی- حکایۀ عن أنفسهم:- 18 - وَ قالُوا قُلُوبُنا فِی أَکِنَّۀٍ
.51 - هذه الآیۀ مسبوقۀ بقوله تعالی: ( 1) المدثر: 50 .«4» مِمَّا تَدْعُونا إِلَیْهِ وَ فِی آذانِنا وَقْرٌ وَ مِنْ بَیْنِنا وَ بَیْنِکَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ
. 2) الانعام: 25 )
. 3) الکهف: 57 )
. 4) فصلت: 5 )
صفحۀ 192 من 268
ص: 330
فَأَعْرَضَ أَکْثَرُهُمْ فَهُمْ لا یَسْمَعُونَ، و ملحقۀ بقوله: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ یُوحی إِلَیَّ أَنَّما إِلهُکُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِیمُوا إِلَیْهِ وَ اسْتَغْفِرُوهُ وَ
فلولا أنّه من صنیع أنفسهم بالذات لما صحّ تکلیفهم و لا توجیه الملامۀ و التوبیخ الیهم، لو کانوا غیر قادرین علی .«1» وَیْلٌ لِلْمُشْرِکِینَ
الایمان و اتیان الاعمال الصالحۀ! 19 - و هکذا قوله تعالی: وَ قالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ تعبیر تعنّتی، تهکّما بمقام الانبیاء العظام، و من ثمّ
.«2» جابههم تعالی بقوله: بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِکُفْرِهِمْ فَقَلِیلًا ما یُؤْمِنُونَ
-20 و قال: فَبِما نَقْضِ هِمْ مِیثاقَهُمْ، وَ کُفْرِهِمْ بِآیاتِ اللَّهِ، وَ قَتْلِهِمُ الْأَنْبِیاءَ بِغَیْرِ حَ قٍّ. وَ قَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ (تهکما) بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَیْها
.«3» ... بِکُفْرِهِمْ، فَلا یُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِیلًا. وَ بِکُفْرِهِمْ وَ قَوْلِهِمْ عَلی مَرْیَمَ بُهْتاناً عَظِیماً. وَ قَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِیحَ عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ رَسُولَ اللَّهِ
هذه الآیۀ عددت کبائر آثام ارتکبوها، مضافۀ إلی تهکّمهم اللئیم و عقیدتهم الکاذبۀ فی الجبر- کاخوانهم الأشاعرة- و من ثمّ ردّ
علیهم تعالی بأنها الخطیئات و الاجرامات حالت بینهم و بین نفوذ دعوة الحقّ فی قلوبهم العاتیۀ.
255 ) الکلام فی هذه الآیۀ بتفصیل. و نظیرتها - و قد تقدّم (ص 239 .«4» -21 و قال تعالی: وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ یَحُولُ بَیْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ
الآیۀ التالیۀ:
-22 وَ ما یُشْعِرُکُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا یُؤْمِنُونَ. وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ أَبْصارَهُمْ (أي نحول بینهم و بین إدراکاتهم الانسانیۀ النبیلۀ لیتحولوا
إلی جمادات أو حیوانات بهم) کَما لَمْ یُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ (فکان اعراضهم عن الحق و عنادهم علی الغی و الضلال هو السبب لهذا
. الخذلان و الحرمان عن رحمته تعالی و لطفه ( 1) فصلت: 6
. 2) البقرة: 88 )
.157 - 3) النساء: 155 )
. 4) الانفال: 24 )
ص: 331
.«1» العمیم) وَ نَذَرُهُمْ فِی طُغْیانِهِمْ یَعْمَهُونَ
أیضا خذلان و حرمان عن فیوض قدسه تعالی، «2» -23 و قوله تعالی: وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِکْرِنا وَ اتَّبَعَ هَواهُ وَ کانَ أَمْرُهُ فُرُطاً
عقوبۀ عاجلۀ استوجبوها لأنفسهم بما کسبت أیدیهم من آثام و کبائر.
تعبیر آخر عن الاغفال المذکور. و فی الحقیقۀ اخبار عن غفلۀ «3» -24 و هکذا قوله تعالی: وَ لکِنْ تَعْمَی الْقُلُوبُ الَّتِی فِی الصُّدُورِ
مسبّبۀ عن جهل و عناد.
نظیرة آیۀ الحج المتقدمۀ. «4» -25 و قال تعالی: إِنَّهُمْ کانُوا قَوْماً عَمِینَ
دلیلا علی أن هذا العلماء من فعل انفسهم و اختیارهم بالذات. و الآیات جاء فیها .«5» -26 و قال: فَمَنْ أَبْ َ ص رَ فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ عَمِیَ فَعَلَیْها
.( التعبیر بالعمی مرادا به عمی القلوب کثیرة: (المائدة: 71 ). (فصلت: 17 و 44 ). (النمل: 66
.( (الاعراف: 64 ). (الاسراء: 72 ). (فاطر: 19 ). (البقرة: 18 و 171
(یونس: 43 ). (النمل: 81 ). (الروم: 53 ). (الزخرف: 40 ) و غیرهن من آیات.
أي لهم میل فی الانحراف، کأنّهم جبلوا علی معاکسۀ الفطرة، بسبب ما ألفوه من الفساد «6» -27 قال تعالی: فَأَمَّا الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ زَیْغٌ
و ارتکاب الشرور. إذ ما أسرع ما تنقلب طبیعۀ الانسان عن فطرته الاولی إلی طبیعۀ ثانیۀ، إذا ما استرسل بنفسه فی أجواء مظلمۀ و
انهمک فی الاجرام و الفساد فی الأرض. فیصبح و هو متخلّق بأخلاق ربما کانت غریبۀ عن خلقه الأصیل الذي فطره اللّه علیه.
و یعبّر عن هذا الانحراف الخلقی بمرض القلب، تشبیها للانحراف الروحی بالانحرافات الجسمانیۀ، کما تقدّم.
.110 - أي فلما أخذت نفوسهم فی الانحراف ( 1) الانعام: 109 «7» -28 فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ
صفحۀ 193 من 268
. 2) الکهف: 28 )
. 3) الحج: 46 )
. 4) الاعراف: 64 )
. 5) الانعام: 104 )
. 6) آل عمران: 7 )
. 7) الصف: 5 )
ص: 332
عن جادّة الهدي و الصلاح، و کان ذلک علی أثر لجاجهم مع الحقّ و صمودهم علی رفض الدعوة، خذلهم اللّه و ترکهم فی ظلمات
غیّهم یعمهون، إذ لم یک ینفعهم نصح الناصحین.
و هکذا الآیات التالیۀ. «1» -29 و علی هذا النمط جاء قوله تعالی: فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً
أي ذوي مرض روحی الذي هو تعبیر عن ذلک الانحراف الخلقی، المعاکس مع متجه الانسانیۀ «2» -30 فَتَرَي الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
الکریمۀ.
هذا من عطف العامّ علی الخاص، أي من علی شاکلتهم من .«3» -31 إِذْ یَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِینُهُمْ
ذوي الانحرافات الخلقیۀ الرذیلۀ، المنافیۀ مع أصالۀ المجتمعات الانسانیۀ الکریمۀ التی کانت وفق الفطرة الاولی النزیهۀ.
أي ان هذا الانحراف الذي اکتسبوه لأنفسهم لیأخذ بهم من حالۀ .«4» -32 وَ أَمَّا الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَی رِجْسِهِمْ
سیئۀ إلی أسوأ و هکذا إلی غیر نهایۀ فلا یزالون یتخبطون فی مفاسد اخلاقیۀ و فی أجواء مظلمۀ من فاسد إلی أفسد و من ظلام إلی
أظلم، استمرارا مع الأبدیّۀ.
و ذلک لأنّ تسویلات الشیطان انما تؤثر .«5» ( -33 لِیَجْعَلَ ما یُلْقِی الشَّیْطانُ فِتْنَۀً (امتحانا) لِلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ (فیظهر الله أضغانهم
فی عقول من کان علی شاکلته، إنّ الطیور علی أشکالها تقع.
أي هذا الانحراف الذي أبدوه کان عن منشأ قدیم انطوت علیه قلوبهم القاسیۀ، .«6» ؟( -34 أَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ (قدیم) أَمِ ارْتابُوا (حالیا
. أم کان ( 1) البقرة: 10
. 2) المائدة: 52 )
. 3) الانفال: 49 )
. 4) التوبۀ: 125 )
. 5) الحج: 53 )
. 6) النور: 50 )
ص: 333
شیئا عرض لهم لشکوك اعترضتهم أثناء المسیر؟
و هکذا بقیّۀ الآیات عبّرت عن تلک الحالۀ النفسیۀ المنحرفۀ الجافّۀ الجافیۀ بالمرض، فی سورة الاحزاب: 12 و 32 و 60 . و سورة
. محمّد: 20 و 29 . و سورة المدثر: 31
و کذا سائر الآیات التی عبرت بالرین (المطففین: 14 ). أو فاصل حجاب (فصلت: 5) و (الاسراء: 45 ). أو علی قلوب أقفالها (محمّد:
24 ) و ما شابه.
و قوله: وَ لکِنْ .«1» کلها تعابیر کنائیۀ عن معنی واحد أوضحه قوله تعالی: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُکُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِکَ فَهِیَ کَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً
صفحۀ 194 من 268
أي طال امهالهم فی التنعم بهذه .«3» و قوله: فَطالَ عَلَیْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ .«2» قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ ما کانُوا یَعْمَلُونَ
. الحیاة السفلی. و غیرهنّ من آیات. ( 1) البقرة: 74
. 2) الأنعام: 43 )
. 3) الحدید: 16 )
ص: 334
مسألۀ القضاء و القدر:
و اختلفت فیها أنظار أرباب الکلام من ذوي المشارب المختلفۀ فی الجبر و .« القضاء و القدر » من المسائل الکلامیۀ العویصۀ هی مسألۀ
الاختیار. و قد أخذت الأشاعرة- بالذات- فی هذه المسألۀ طریقها الی الجبر المحض، و زعموا من القضاء و القدر هو الحتم و الإلجاء.
و من ثم أسندوا أفعال العباد کلّها خیرها و شرها، صلاحها و فسادها حتی الایمان و الکفر، و الاطاعۀ و العصیان، إلی اللّه سبحانه، و
أنّه الفاعل لها حقیقۀ و ان کان المباشر فی الظاهر هم العباد أنفسهم.
و لذلک صحّت تسمیتهم بالقدریۀ انطباقا علیهم
لعن اللّه القدریۀ علی لسان سبعین نبیا، قیل: من القدریۀ، یا رسول اللّه؟ قال: » : بالحدیث المأثور عن النبیّ (صلّی اللّه علیه و آله) قال
.«1» « الذین یعصون اللّه تعالی، و یقولون: کان ذلک بقضاء اللّه و قدره
و الایمان بالقدر بهذا المعنی الباطل، هی عقیدة عربیّۀ جاهلیّۀ امتدّت حتی ما بعد ازدهار الاسلام، و رغم مکافحۀ النبیّ (صلّی اللّه علیه
و آله) و الأئمّۀ الهداة من بعده لهذه العقیدة الجاهلیۀ الاولی.
.«2» « بعث اللّه محمّدا إلی العرب و هم قدریۀ یحملون ذنوبهم علی اللّه تعالی » :( قال الامام الحسن بن علی (علیهما السلام
. و دلیلا علی ذلک قولۀ المشرکین: ( 1) راجع: شرح الاصول الخمسۀ للقاضی عبد الجبار: ص 775
. 2) راجع: اللطائف الغیبیۀ للمیر أحمد العلوي تلمیذ المیر محمد باقر داماد: ص 201 )
ص: 335
و من ثمّ کذّبهم اللّه فی هذه العقیدة الفاسدة المخالفۀ لصریح الوجدان، قال .«1» لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَکْنا وَ لا آباؤُنا وَ لا حَرَّمْنا مِنْ شَیْءٍ
تعالی- تعقیبا علی قولتهم تلک-: کَ ذلِکَ کَ ذَّبَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّی ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَکُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا
الظَّنَّ، وَ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ.
و الغریب أنّ الأشاعرة استسلمت قیادتها- بکلّ جرأة و صراحۀ- لهذه العقیدة المنافیۀ للفطرة و لتعالیم الاسلام النزیهۀ! قال امامهم
ثمّ أخذ فی الاستدلال علی .« اعلم أنّ أفعال العباد امور ممکنۀ الوجود. و الممکن لا یترجح وجوده علی عدمه إلّا بسبب » : المتفلسف
وجوب کون هذا السبب ضروري الوجود، و إلّا لزم المحال (التسلسل الباطل). و بذلک حاول اثبات انتهاء أفعال العباد فی علل
وجوداتها و فی سلسلۀ الحاجۀ، إلی ذاته المقدسۀ الواجب الوجود.
هذا .« فثبت أنّ أفعال العباد، بقضاء اللّه تعالی و قدره، و أنّ الانسان مضطرّ فی اختیاره، و أنّه لیس فی الوجود إلّا الجبر » : و أخیرا قال
فقد ملأه بأحکام قواعد الجبر علی اصول « تفسیر الکبیر » و أمّا .«2» « المباحث المشرقیۀ » نص عبارته فی باب القضاء و القدر من کتابه
.«3» مذهب أبی الحسن الأشعري و أتباعه الأشاعرة
بعلمه تعالی الأزلی بالأشیاء قبل وقوعها. قالوا: القضاء هو علمه « القضاء و القدر » أمّا الفلاسفۀ الاسلامیون الکبار فقد فسّروا مسألۀ
الاجمالی بالاشیاء و بالامور الجاریۀ عبر الوجود. و القدر هو علمه التفصیلی بذلک، أي علمه تعالی بتفاصیل ما سیقع من الذوات و
.«4» الأفعال
صفحۀ 195 من 268
. قالوا: و لم یکن العلم القدیم علۀ لحدوث الاشیاء، لا الإجمالی منه ( 1) الانعام: 148
.517 - 2) الفصل الخامس من المجلد الثانی: ص 516 )
3) و قد بالغ فی ذلک حتی قال بشأن سورة الانعام: ان هذه السورة من اولها الی آخرها تدل علی صحۀ قولنا و مذهبنا (فی الجبر). )
. التفسیر الکبیر: ج 13 ص 227
.198 - 4) اللطائف الغیبیۀ: ص 197 )
ص: 336
و لا التفصیلی حسبما فصلوه و بیّنوه دفعا لشبهۀ الجبر.
بعلمه تعالی بالأشیاء، علی ما ینبغی أن یکون علیه الوجود، حتی یکون علی أحسن نظام و أبدع تشکیل. و هو « القضاء » و فسّر بعضهم
المسمی عنده بالعنایۀ الربانیۀ، التی هی مبدأ فیوضاته القدسیۀ، المفاضۀ علی الموجودات من حیث جملتها علی أحسن وجه و أکمل
.«1» بأسبابها و عللها، وفق الوجه الذي قرّره القضاء القدیم « الوجود العینی » عبارة عن خروج تلک الأشیاء إلی عالم « القدر » صورة. و
و « القضاء » و « العنایۀ » قال الفیلسوف الحکیم صدر الدین الشیرازي- بصدد تفصیل علمه تعالی بالأشیاء فی مراتبه الثلاث، و هی
فهی علمه تعالی بالأشیاء فی مرتبۀ ذاته المقدّسۀ، علما مقدسا عن شوب الامکان و الترکیب فهی عبارة عن « العنایۀ » أمّا :-« القدر »
وجوده، بحیث ینکشف له الموجودات الواقعۀ فی عالم الامکان علی نظام أتم، مؤدیا إلی وجودها فی الخارج، مطابقا له أتمّ تأدیۀ، لا
علی أنّها عنه، لا علی » ، علی وجه القصد و الرؤیۀ. و هو علم بسیط، واجب لذاته، قائم بذاته، خلاق للعلوم التفصیلیۀ العقلیۀ و النفسیۀ
.«2» «! أنّها فیه
و یقال له: ام الکتاب، فهو عندهم عبارة عن وجود الصور العقلیۀ لجمیع الموجودات، فائضۀ عنه تعالی- علی سبیل « القضاء » و أمّا
الابداع- دفعۀ بلا زمان. قال: و أمّا عندنا فعبارة عن صور علمیۀ لازمۀ لذاته المقدسۀ، بلا جعل و لا تأثیر و لا تأثّر، و هی صور قدیمۀ
بالذات باقیۀ ببقاء اللّه.
و هو: لوح المحو و الاثبات- فهو عبارة عن وجود صور ( 1) بنقل العلامۀ المجلسی عن شرح المواقف. بحار الانوار: ج -« القدر » و أمّا
. 5 ص 128
2) فی هذه الجملۀ الاخیرة نکتۀ دقیقۀ. هی ردّ علی مزعومۀ الأشعري فیما زعم ان علمه تعالی صفۀ قدیمۀ قائمۀ بذاته حالۀ فیها و )
مقترنۀ بها، فلزمه القول بتعدد القدماء.
ص: 337
الموجودات فی العالم النفسی السماوي، علی الوجه الجزئی، اما انطباعا- کما علیه المشائیون- أو علی سبیل المظهریۀ- کما علیه
الاشراقیون- مطابقۀ لما فی موادها الخارجیۀ الشخصیۀ، مستندة إلی اسبابها و عللها، واجبۀ بها، لازمۀ لاوقاتها المعینۀ و أمکنتها
الخاصۀ.
.«1» « القدر » یشمل « القضاء » کما أنّ ،« القضاء » تشمل « العنایۀ » قال: و
و أمّا المتکلّمون من أصحابنا الإمامیین- قدس اللّه أرواحهم- فقد أوضحوا من هذه المسألۀ أحسن ایضاح، و عرضوها علی صعید
عقلی نزیه، مستعینین بدلالۀ الکتاب المجید و السنّۀ القطعیّۀ، و کلمات ائمۀ الهدي علماء أهل البیت (علیهم السلام) فجاءت المسألۀ
مدللۀ فی أبدع صورتها اللامعۀ، یتلقّاها- بلا شک- أذهان متفتحۀ و عقول سلیمۀ فی رحابۀ و ارتیاح، و إلیک اجمالیا:- القضاء- فی
اللغۀ- جاء بمعنی الأمر الحتم و الحکم الفصل، النافذ نفوذا قاطعا یکون هو منتهی الشیء فلا تعلل بعده. قال الزهري: القضاء فی اللغۀ
علی وجوه مرجعها إلی انقطاع الشیء و تمامه، و کلّ ما أحکم عمله أو أتم أو ختم أو أدّي أداء أو أوجب أو أعلم أو أنفذ أو أمضی
فقد قضی.
صفحۀ 196 من 268
.«2» فالتکلیف إذا کان الزاما کان قضاء. و منه قوله تعالی: وَ قَضی رَبُّکَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِیَّاهُ وَ بِالْوالِدَیْنِ إِحْساناً
293 . و - ج 6 ص 290 « الاسفار الأربعۀ » و کذا حکم القاضی قضاء، لکونه الفصل القاطع للدعوي. و منه قوله تعالی ( 1) راجع: کتاب
راجع- أیضا- فیما افاده- قدس سره- فی شرح عنایته تعالی و رحمته الواسعۀ لکل شیء بحسب القضاء الربانی و التقدیر الالهی،
.57 - الفصل الاول من الموقف الثامن: ج 7 ص 55
. 2) الاسراء: 23 . و راجع اللّسان: ج 15 ص 186 )
ص: 338
.«1» ثُمَّ لا یَجِدُوا فِی أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَیْتَ وَ یُسَلِّمُوا تَسْلِیماً
و هکذا الإخبار الحتمی و الإعلام بشیء یقینی لا مردّ له- أیضا- قضاء و منه قوله تعالی: وَ قَضَیْنا إِلی بَنِی إِسْرائِیلَ فِی الْکِتابِ لَتُفْسِدُنَّ
.«3» و قوله: وَ قَضَیْنا إِلَیْهِ ذلِکَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِینَ .«2» فِی الْأَرْضِ مَرَّتَیْنِ وَ لَتَعْلُنَّ عُلُ  وا کَبِیراً
و قوله: هُوَ الَّذِي خَلَقَکُمْ مِنْ طِینٍ .«4» و کذلک انتهاء الأجل المضروب قضاء. و منه قوله تعالی: فَلَمَّا قَضی مُوسَی الْأَجَلَ وَ سارَ بِأَهْلِهِ
.«5» ثُمَّ قَضی أَجَلًا
أي عیّن أجلا محدّدا لا ینقص و لا یزید.
و قوله: .«6» و من ذلک سمّی الموت قضاء، إذ به ینتهی أمد العمر انتهاء قاطعا لا مرد له. و منه قوله تعالی: فَوَکَزَهُ مُوسی فَقَضی عَلَیْهِ
أي بالموت. «8» و قوله: یا مالِکُ لِیَقْضِ عَلَیْنا رَبُّکَ .«7» فَمِنْهُمْ مَنْ قَضی نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ
و أیضا فکلّ أمر نافذ قطعی لا تعلل فیه و لا تریّث هو قضاء، و هکذا العمل المبرم لا یقف فی وجهه شیء قضاء. و منه قوله تعالی: وَ
أي انفذ ارادته فی جعلها سبعا، أو أتمّ خلقهنّ «10» و قوله: فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ .«9» إِذا قَضی أَمْراً فَإِنَّما یَقُولُ لَهُ کُنْ فَیَکُ ونُ
کذلک. و کذا الحکم النافذ تشریعا کقوله تعالی: وَ ما کانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَۀٍ إِذا قَ َ ض ی اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ یَکُونَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ مِنْ
.«11» أَمْرِهِمْ
. 1) النساء: 65 ) .«12» و منه قضاء الحاجۀ أي إنفاذها، کقوله تعالی: إِلَّا حاجَۀً فِی نَفْسِ یَعْقُوبَ قَضاها
. 2) الاسراء: 4 )
. 3) الحجر: 66 )
. 4) القصص: 29 )
. 5) الانعام: 2 )
. 6) القصص: 15 )
. 7) الاحزاب: 23 )
. 8) الزخرف: 77 )
. 9) البقرة: 117 )
. 10 ) فصلت: 12 )
. 11 ) الاحزاب: 36 )
. 12 ) یوسف: 68 )
ص: 339
و کذلک الانتهاء من أمر الشیء فلم تعد لصاحبه حاجۀ فیه، کقوله تعالی:
أي أ «3» و قوله: فَإِذا قَ َ ض یْتُمُ الصَّلاةَ .«2» و منه قوله تعالی- أیضا-: فَإِذا قَ َ ض یْتُمْ مَناسِکَکُمْ .«1» فَلَمَّا قَضی زَیْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناکَها
صفحۀ 197 من 268
تممتموها کملا و فرغتم منها.
.« نفاذ الأمر و الانتهاء منه حتمیا » فی « القضاء » و یتلخص معنی
أمّا القدر- بفتحتین- فهو بمعنی تقدیر الشیء و التعرفۀ إلی کنهه و حدوده من زمان و مکان و سائر الجهات المحددة لوجود الشیء.
و منه التعرف إلی هندسۀ الشیء و العلم بالظروف و الاجواء المؤاتیۀ له، و شرائط وجوده کما و کیفا و جهۀ و غیرها. الأمر الذي
یقتضی احاطۀ بخصوصیات الشیء و جهاته المکتنفۀ به، سواء أ کان عملا یرید ایجاده، أم کلاما یرید النطق به، أم حکما یرید انفاذه،
أم تکلیفا یرید تشریعه. فاذا عرف جهاته و ملابساته و موقعیته من زمان و مکان و سائر الاحوال، فقد قدّره تقدیرا صالحا للنفاذ.
أي قدر الاشیاء .«6» و قوله: وَ الَّذِي قَدَّرَ فَهَدي .«5» و قوله: إِنَّهُ فَکَّرَ وَ قَدَّرَ .«4» و منه قوله تعالی: وَ قَدَّرَ فِیها أَقْواتَها فِی أَرْبَعَۀِ أَیَّامٍ
تقدیرا فهداها علی قدر استعدادها و حظها من عالم الوجود.
أي جعلنا له منازل علی قدر معلوم. «7» و قوله تعالی: وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ
أي جعله علی نمط خاص و عیّن شرائطه و مبلغ استعداده من حظّ الوجود. و هو الذي «8» و کذا قوله: وَ خَلَقَ کُلَّ شَیْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِیراً
نعبر عنه بالهندسۀ، أي هندسه هندسۀ کاملۀ.
فی «9» و منه لیلۀ القدر التی یفرق فیها کلّ أمر حکیم، إذ فیها تقدّر الأشیاء التی ستجري طول ذلک العام. وَ اللَّهُ یُقَدِّرُ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ
. تعاقبهما و طولهما ( 1) الاحزاب: 37
. 2) البقرة: 200 )
. 3) النساء: 103 )
. 4) فصلت: 10 )
. 5) المدثر: 18 )
. 6) الاعلی: 3 )
. 7) یس: 39 )
. 8) الفرقان: 2 )
. 9) المزمل: 20 )
ص: 340
أي تعینت فیها مقادیر السیر لیل نهار. «1» و قصرهما علی مرّ الایام و الدهور. و هکذا قوله: قَدَّرْنا فِیهَا السَّیْرَ
فقد تقدّم أن المعنی: علمنا من شأنها أنها من الباقین الهالکین. ،«2» و أمّا قوله تعالی: إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِینَ
.« تقدیر الشیء و هندسته هندسۀ تامۀ » فی « القدر » و یتلخص معنی
و علی ضوء هذا البیان نستطیع تلخیص القول فی مسألۀ القضاء و القدر بما یلی:
و .« إنّه تعالی إذا تعلّقت ارادته بخلق شیء و تکوینه أو تشریع حکم و نفاذه، فانه یقدره أولا تقدیرا، ثم یقضی بوجوده و ینفذه تنفیذا »
من ثمّ فکان الأجدر ان یقال القدر و القضاء. لان القدر- علی هذا البیان- متقدم علی القضاء و النفاذ.
و علیه فقضاء اللّه بالنسبۀ إلی أفعاله الخاصۀ، هو خلقها و ایجادها تکوینا:
أي «4» و بالنسبۀ إلی أفعال العباد هو امره و الزامه تکلیفا: وَ قَضی رَبُّکَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِیَّاهُ .«3» إِذا قَضی أَمْراً فَإِنَّما یَقُولُ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ
أي حکم و .«5» أمر تکلیفا و اوجب ذلک. وَ ما کانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَۀٍ إِذا قَ َ ض ی اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ یَکُونَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ
شرّع. فالمؤمن تجاه أحکام الشریعۀ مستسلم لا رأي له سوي الطاعۀ و الامتثال. و هذا لا یعنی سلب قدرته و إنّما هو بعث علی التسلیم
المحض.
صفحۀ 198 من 268
و هکذا قدره تعالی هو تقدیره لما یرید انفاذه من خلق أو تشریع. أي علمه بما یحتوي علیه من صلاح أو فساد، فیوجده تکوینا أو یأمر
. به تکلیفا، وفق ذلک الملاك الواقعی الکامن وراء الأشیاء و التکالیف. ( 1) سبأ: 18
. 2) الحجر: 60 )
. 3) آل عمران: 47 )
. 4) الاسراء: 23 )
. 5) الاحزاب: 36 )
ص: 341
و الوجه عندنا فی القضاء و القدر، ان اللّه تعالی فی خلقه قضاء و قدرا. و فی أفعالهم » :- قال الشیخ أبو عبد اللّه المفید- عمید المذهب
(أفعال العباد) أیضا قضاء و قدرا معلوما. و یکون المراد بذلک: انه قضی فی أفعالهم الحسنۀ بالأمر بها و فی أفعالهم القبیحۀ بالنهی
عنها، و فی أنفسهم بالخلق لها، و فیما فعله فیهم بالإیجاد له.
و القدر منه- سبحانه- فیما فعله: ایقاعه فی حقه و موضعه. و فی أفعال عباده:
.«1» « ما قضاه فیها من الأمر و النهی و الثواب و العقاب، لان ذلک کله واقع موقعه و موضوع فی مکانه، لم یقع عبثا و لم یصنع باطلا
و اعلم ان أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب (علیه السلام) قد » : و قال العلامۀ جمال الدین الحسن بن یوسف بن علی بن المطهّر الحلّی
بیّن معنی القضاء و القدر، و شرحهما شرحا وافیا،
فی حدیث الأصبغ بن نباتۀ عند منصرفه من صفین، قال: قام الیه شیخ، فقال: أخبرنا یا أمیر المؤمنین عن مسیرنا إلی الشام، أ کان
بقضاء اللّه تعالی و قدره. فقال أمیر المؤمنین (علیه السلام): و الذي فلق الحبۀ و برأ النسمۀ، ما وطئنا موطئا، و لا هبطنا وادیا و لا علونا
تلعۀ، إلّا بقضائه و قدره! الشیخ: أ عند اللّه أحتسب عنائی؟ ما أري لی من الأجر شیئا!.
الامام: مه، أیها الشیخ، بل عظّم اللّه أجرکم فی مسیرکم و أنتم سائرون و فی منصرفکم و أنتم منصرفون، و لم تکونوا فی شیء من
حالاتکم مکرهین و لا الیها مضطرین.
الشیخ: کیف، و القضاء و القدر ساقانا؟
الامام: ویحک، لعلک ظننت قضاء لازما، و قدرا حتما! لو کان کذلک لبطل الثواب و العقاب و سقط الوعد و الوعید و الأمر و النهی،
. و لم تتأتّ لائمۀ من ( 1) تصحیح الاعتقاد (أو شرح عقائد الصدوق): ص 20
ص: 342
اللّه لمذنب و لا محمدة لمحسن، و لم یکن المحسن أولی بالمدح من المسیء و لا المسیء أولی بالذم من المحسن! تلک مقالۀ عبدة
و هم قدریۀ هذه الامّۀ و مجوسها. ثمّ قال الامام: ان اللّه أمر «2» و جنود الشیطان و شهود الزور، و أهل العمی من الصواب «1» الأوثان
تخییرا، و نهی تحذیرا، و کلف یسیرا، و لم یعص مغلوبا و لم یطع مکرها، و لم یرسل الرسل عبثا، و لم یخلق السماوات و الأرض و ما
بینهما باطلا.
ذلک ظن الذین کفروا فویل للذین کفروا من النار.
الشیخ: فما القضاء و القدر الذي ذکرته، یا أمیر المؤمنین؟
الامام: هو الأمر من اللّه تعالی و الحکم. ثمّ تلا قوله تعالی: وَ قَضی رَبُّکَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِیَّاهُ.
و فی روایۀ اخري: الأمر بالطاعۀ، و النهی عن المعصیۀ، و التمکین من فعل الحسنۀ و ترك المعصیۀ، و المعونۀ علی القربۀ الیه، و
الخذلان لمن عصاه، و الوعد و الوعید، و الترغیب و الترهیب. کل ذلک قضاء اللّه فی أفعالنا و قدره لاعمالنا.
اما غیر ذلک فلا تظنه، فان الظن له محبط للاعمال.
صفحۀ 199 من 268
فقال الشیخ: فرّجت عنی- یا أمیر المؤمنین- فرّج اللّه عنک ثمّ نهض مسرورا و أنشأ یقول:
أنت الامام الذي نرجو بطاعته یوم النجاة من الرحمن غفرانا
اوضحت من دیننا ما کان ملتبسا جزاك ربک بالاحسان احسانا
فلیس معذرة فی فعل فاحشۀ قد کنت راکبها فسقا و عصیانا
لا، لا، و لا قابلا ناهیۀ اوقعه فیها عبدت اذا یا قوم شیطانا
و لا احب و لا شاء الفسوق و لا قتل الولی له ظلما و عدوانا
1) إشارة الی ان الاعتقاد بالقضاء و القدر بالمعنی المذکور الباطل، هی عقیدة جاهلیۀ اولی قد رفضها الاسلام. )
2) هذا الکلام المعجز ینطبق تماما علی مذهب الأشعري کما نبهنا سابقا. )
ص: 343
«1» انی یحب و قد صحت عزیمته ذو العرش اعلن ذاك اللّه اعلانا
قال الشیخ المفید- بعد ایراد الحدیث-: هذا الحدیث موضح عن قول أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی معنی العدل و نفی الجبر، و
اثبات الحکمۀ فی أفعال اللّه تعالی و نفی العبث عنها.
و للسید عبد اللّه شبّر فی تفسیر هذا الکلام الزاهی بیان و تحقیق، راجع:
.«123 - مصابیح الأنوار- فی مشکلات الاخبار ج 1 ص 113 »
عبارة عن علمه تعالی بمصالح الامور. و ذلک یمثل حکمته تعالی فی الخلق و « القدر » و خلاصۀ مذهبنا فی القضاء و القدر: ان
عبارة عن نفاذ ارادته فی تکوین شیء أو تشریع تکلیف. و الذي یرتبط بأفعال العباد هو القضاء بمعنی التشریع و « القضاء » التکلیف. و
الالزام تکلیفیا، فلا جبر و لا إلجاء. و هو یمثل مبدأ الاختیار فی التکلیف. هذه کانت خلاصۀ ما استفدناه من کلام الامام أمیر المؤمنین
(علیه السلام) و دلّت علیه الآثار المرویۀ عن النبیّ (صلّی اللّه علیه و آله) و الأئمّۀ الهداة المرضیین (علیهم صلوات اللّه) و سنشیر الی
بعضها بعد عرض نماذج من آیات مرتبطۀ بالمقام.
هذا من قضائه فی التکوین. .«2» -1 قال تعالی: وَ ما کانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، کِتاباً مُؤَجَّلًا
176 . و کنز الفوائد - أیضا قضاء تکوین. ( 1) شرح تجرید الاعتقاد (ط بومباي) ص 175 .«3» -2 وَ لکِنْ لِیَقْضِ یَ اللَّهُ أَمْراً کانَ مَفْعُولًا
.172 - للکراجکی: ص 171
- 228 . و الاحتجاج للطبرسی: ج 1 ص 310 - و الکافی- الاصول-: ج 1 ص 155 . و شرح النهج لابن أبی الحدید: ج 18 ص 227
.126 - 96 . و ص 125 - 14 . و ص 95 - 311 . و بحار الأنوار: ج 5 ص 13
121 و قد صححنا الحدیث بمقابلۀ بعض المصادر مع البعض. - و الارشاد للشیخ المفید: ص 120
. 2) آل عمران: 145 )
. 3) الانفال: 42 )
ص: 344
أي قدر لنا. بمعنی علمه تعالی بما هو صلاح لانفسنا، فینفذه فینا ان شاء، وفق حکمته «1» -3 قُلْ لَنْ یُصِیبَنا إِلَّا ما کَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا
تعالی.
.«2» -4 وَ کانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا
هو قضاؤه الحتم و قدره بشأن التکوین. «3» -5 وَ کانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً
.«4» -6 وَ ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثی وَ لا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ، وَ ما یُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ، وَ لا یُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ، إِلَّا فِی کِتابٍ. إِنَّ ذلِکَ عَلَی اللَّهِ یَسِیرٌ
صفحۀ 200 من 268
الکتاب فی الآیۀ عبارة اخري عن علمه الأزلی، و هو قدره تعالی بمعنی احاطته بمزایا الامور و خبایاها قبل ان تتکون فی عالم الوجود.
إذ ذاك بالنسبۀ إلی علمه تعالی المحیط شیء ضئیل.
أي لو لا حکمه تعالی بالتأخیر و الامهال لعجل لهم العذاب. «5» -7 وَ لَوْ لا کَلِمَۀٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّکَ لَقُضِیَ بَیْنَهُمْ
کذلک. «6» -8 وَ لَوْ لا کَلِمَۀُ الْفَصْلِ لَقُضِیَ بَیْنَهُمْ
أي بتقدیر سابق. «7» -9 إِنَّا کُلَّ شَیْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ
أي مقدر فی علمه تعالی بالحکم و المصالح. «8» -10 وَ کُلُّ شَیْءٍ فَعَلُوهُ فِی الزُّبُرِ. وَ کُلُّ صَغِیرٍ وَ کَبِیرٍ مُسْتَطَرٌ
تقدم نظیرها برقم: :«9» -11 ما أَصابَ مِنْ مُصِ یبَۀٍ فِی الْأَرْضِ وَ لا فِی أَنْفُسِکُمْ إِلَّا فِی کِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِکَ عَلَی اللَّهِ یَسِیرٌ
أي نوجدها و نخلقها، لأن التقدیر قبل القضاء علی ما سبق. « نبرأها » 6. و الکتاب هو علمه تعالی بالحکم و المصالح. و
. 1) التوبۀ: 51 ) «10» و قوله- بعد ذلک-: لِکَیْلا تَأْسَوْا عَلی ما فاتَکُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاکُمْ
. 2) الاحزاب: 37 )
. 3) الاحزاب: 38 )
. 4) فاطر: 11 )
. 5) فصلت: 45 )
. 6) الشوري: 21 )
. 7) القمر: 49 )
.53 - 8) القمر: 52 )
. 9) الحدید: 22 )
. 10 ) الحدید: 23 )
ص: 345
یعنی إذ لو عرفتم من أحداث هذا الکون هی ذوات مصالح مدروسۀ من قبل، لما فزعتم تجاه آلامها أو فخرتم بحظوظها، إذ کلّ ذلک
انما یجري علی حکم و مصالح و مقتضیات مدروسۀ من ذي قبل، و لیست مفاجأة اتفاقیۀ کما یزعمها قاصروا النظر فی مظاهر هذه
الحیاة.
أي باقداره و امداده لکم، و لو لا انها مصلحۀ لما أمدکم بالقوي «1» -12 ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِینَۀٍ أَوْ تَرَکْتُمُوها قائِمَۀً عَلی أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ
.( فراجع (ص 238 «2» و لکنتم اعجز من فی الوجود. و الآیۀ نظیرة ما مرّ من قوله: وَ ما رَمَیْتَ إِذْ رَمَیْتَ
. تقدم نظیرها برقم: 6 و 11 «3» -13 ما أَصابَ مِنْ مُصِیبَۀٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ
أي علما بالحکم و المصالح، و هذه «4» -14 یَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَیْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلی کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ وَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِکُلِّ شَیْءٍ عِلْماً
إشارة إلی جانب تقدیره تعالی للامور.
أي نفذ فیه الحکم بالموت و الانتهاء من أجله المحتوم. «5» -15 فَیُمْسِکُ الَّتِی قَضی عَلَیْهَا الْمَوْتَ
أي انفذناه نفاذا حتما. و الأمر فی الآیۀ یراد به الشریعۀ التی أنزلها اللّه علی موسی (علیه السلام). «6» -16 إِذْ قَضَیْنا إِلی مُوسَی الْأَمْرَ
أي یحکم بالحق أو ینفذ ما قدره وفق الحکمۀ. «7» -17 وَ اللَّهُ یَقْضِی بِالْحَقِّ
أي ینتهی و یکتمل إلی تمام الآیۀ. «8» -18 مِنْ قَبْلِ أَنْ یُقْضی إِلَیْکَ وَحْیُهُ
أي قاطعۀ لحیاتی فلم أبعث بعدها. .«9» -19 یا لَیْتَها کانَتِ الْقاضِیَۀَ
. هذا تیئیس لمریم (علیها السلام) و ان حملها ( 1) الحشر: 5 «10» -20 وَ کانَ أَمْراً مَقْضِیا
صفحۀ 201 من 268
. 2) الانفال: 17 )
. 3) التغابن: 11 )
. 4) الطلاق: 12 )
. 5) الزمر: 42 )
. 6) القصص: 44 )
. 7) غافر: 20 )
. 8) طه: 114 )
. 9) الحاقۀ: 27 )
. 10 ) مریم: 21 )
ص: 346
بعیسی (علیه السلام) کان أمرا مدروسا من ذي قبل ذا حکمۀ و مصلحۀ داعیۀ إلی الایجاد، و قد نفذ بشأنه حکم اللّه بالخلق و
التکوین، فلا مرد لقضائه تعالی.
أي ذا مصلحۀ .«1» -21 و هکذا قوله تعالی: إِنْ مِنْکُمْ إِلَّا وارِدُها (مشرف علیها فیوقف فیها أو یمر علیها) کانَ عَلی رَبِّکَ حَتْماً مَقْضِیا
داعیۀ إلی ذلک و من ثمّ اوجبه تعالی علی نفسه وفقا لحکمته فی ذلک.
مختلفۀ، منها: الآمرة بها، و ان الناکر للقدر « القضاء و القدر » و الاحادیث المأثورة عن أهل بیت العصمۀ (علیهم السلام) بشأن مسألۀ
لیس بمسلم.
و منها: الناهیۀ عن التعرض لمسألۀ القدر، و انها سر من اسراره تعالی فلا تتکلفوه.
و منها: الشارحۀ لحدود المسألۀ اما إجمالیا أو بتفصیل. و علیه فیمکننا تنویع هذه الأحادیث إلی طوائف:
- الاولی- الآمرة بالایمان بمسألۀ القدر:- 1
لا یؤمن عبد حتی یؤمن بأربعۀ: » :( قال رسول اللّه (صلّی اللّه علیه و آله
حتی یشهد ان لا إله إلّا اللّه وحده لا شریک له. و إنّی رسول اللّه بعثنی بالحقّ.
.«2» « و حتی یؤمن بالبعث بعد الموت. و حتی یؤمن بالقدر
انظر إلی هذا الحدیث، یجعل من الایمان بالقدر، فی عداد أولیات اصول العقیدة الاسلامیۀ: الشهادة بالتوحید، الشهادة بالرسالۀ،
الاعتقاد بالمعاد.
الاعتقاد بالقدر.
الحمد للّه » ، و هذا- علی التفسیر الذي قدمنا للقدر- واضح، إذ الایمان بالقدر- علی ذلک- ایمان سلطان اللّه القاهر و تدبیره الشامل
. 1) مریم: 71 ) .« ربّ العالمین
. 2) الخصال للصدوق فصل الأربعۀ ص 181 (ط نجف) و البحار: ج 5 ص 87 )
ص: 347
.«1» وَ قالَتِ الْیَهُودُ یَدُ اللَّهِ مَغْلُولَۀٌ غُلَّتْ أَیْدِیهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا. بَلْ یَداهُ مَبْسُوطَتانِ یُنْفِقُ کَیْفَ یَشاءُ
.«2» « ان اللّه- عزّ و جلّ- قدر المقادیر و دبر التدابیر قبل ان یخلق آدم بألفی عام » :( قال رسول اللّه (صلّی اللّه علیه و آله
لکن بالملاحظۀ التی قدمنا .« الاعتقاد بأن اللّه هو المدبر لشئون هذا العالم و المنفذ لما یتکون فی الوجود » و یتلخص الایمان بالقدر فی
بما لا یستلزم جبرا و لا إلجاء فیما یخص أفعال العباد الاختیاریۀ، فراجع مسألۀ الأمر بین الأمرین (ص 174 ) و مسألۀ انتساب الحوادث
صفحۀ 202 من 268
.( الی اللّه (ص 184
-2
-3 «3» « أربعۀ لا ینظر اللّه الیهم یوم القیامۀ: عاقّ، و منان، و مکذب بالقدر، و مد من خمر » :( و قال أیضا (صلّی اللّه علیه و آله
ستۀ لعنهم اللّه ... الزائد فی کتاب اللّه، المکذب بقدر اللّه، التارك لسنتی، المستحل من عترتی، » :( و قال (صلّی اللّه علیه و آله
.«4» « المتسلط بالجبروت، المستأثر بفیء المسلمین
الطائفۀ الثانیۀ: الأحادیث الناهیۀ عن التعرض لمسألۀ القدر، مخافۀ الزلۀ فیها. و ذلک لان الایمان بالقدر کان من اصول العقائد الجاهلیۀ
بانحراف فی فحواها کانوا یعتقدون من تقدیره تعالی لحوادث هذا الکون و تدبیره لشئون الخلیقۀ جبرا للعباد فیما یزاولون من اعمال
اختیاریۀ. إذ لا یقع شیء فی عالم الوجود إلّا بتقدیر اللّه، فلا موقع لارادة العباد و اختیارهم فی ذلک من شیء! هذا فی حین ان مسألۀ
القدر تعنی شیئا آخر لا صلۀ بینه و بین الالجاء و الاضطرار. إذ علمه تعالی الأزلی بمصالح الأشیاء و مفاسدها، خیرها و شرها، لیکون
. خلقه و ایجاده للأشیاء عن مصالح و ملاکات کامنۀ وراء وجوداتها، ( 1) المائدة: 64
. 2) عیون أخبار الرضا: ص 80 . و البحار: ج 5 ص 93 رقم 12 )
. 3) الخصال: باب الأربعۀ ص 184 . و البحار: ج 5 ص 87 رقم 3 )
. 308 . و البحار: ج 5 ص 87 رقم 4 - 4) الخصال: باب الستۀ ص 307 )
ص: 348
تحقیقا لجانب حکمته تعالی و عدله، لا مساس له بمسألۀ الجبر و اضطرار العباد علی أفعالهم الاختیاریۀ.
و لعلک بمراجعۀ ما أثبتنا فی مسألۀ الأمر بین الأمرین عرفت مدي دقۀ هذه المسألۀ المنطویۀ علی سر الوجود علی الاطلاق، إذ معرفۀ
ما بین وجود الموجودات طرا، و تأثیره تعالی فی ذلک، من ادق المعارف الاسلامیۀ العلیا، قد کابد العلماء الأمرّین حتی عثروا علی
حقیقتها و وقفوا علی کنهها، علی ما نبهنا. و هذا هو السر فی النهی عن ولوجها، و لکن نهیا موجها إلی اولئک القاصري النظر من
ذوي المعلومات الهابطۀ أو الضئیلۀ فی مجالات العلوم الاسلامیۀ الاصولیۀ ذلک العهد.
و الیک نماذج منها:
-1 /4
سأل رجل الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام) عن القدر، فقال:
.«1» « سر اللّه فلا تتکلفه » : فسأله ثالثۀ، فقال .« طریق مظلم فلا تسلکه » : فسأله ثانیۀ، فقال .« بحر عمیق فلا تلجه »
-2 /5
.«2» « طریق مظلم فلا تسلکوه و بحر عمیق فلا تلجوه، و سر اللّه فلا تتکلفوه » :- و فی نهج البلاغۀ: قال- و قد سئل عن القدر
-3 /6
الا ان القدر سر من سر اللّه، و حرز من حرز اللّه مرفوع فی حجاب اللّه، مطوي عن خلق اللّه، مختوم بخاتم اللّه، سابق » :- و قال- أیضا
.« فی علم اللّه وضع اللّه عن العباد علمه، و رفعه فوق شهاداتهم و مبلغ عقولهم
هذا النهی الوارد فی کلام الامام (علیه السلام) ینظر إلی اولئک المستضعفین. ممن تقصر افهامهم عن الخوض فی مسائل الوجود، و
فی خلق اعمال العباد، فانه ربما افضی ذلک بهم إلی القول بالجبر، لما فی ذلک من غموض و مزالق، تحتاج السلامۀ منها الی دقۀ و
. معرفۀ کاملۀ، کان ابناء ذلک ( 1) کتاب التوحید للصدوق: ص 374 . و البحار: ج 5 ص 97 و 110
. 2) شرح النهج لابن أبی الحدید: ج 19 ص 181 رقم 293 )
ص: 349
صفحۀ 203 من 268
العهد یعوزونها البتۀ.
و من ثمّ
لانهم لا ینالونه بحقیقۀ الربانیۀ، و لا بقدرة الصمدانیۀ، و لا بعظمۀ النورانیۀ، و لا بعزة » : قال (علیه السلام) تعقیبا علی کلامه المذکور
الوحدانیۀ.
لانه بحر زاخر مواج، خالص للّه عزّ و جلّ، عمقه ما بین السماء و الأرض، عرضه ما بین المشرق و المغرب، اسود کاللیل الدامس، کثیر
.« الحیات و الحیتان، تعلو مرة و تسفل اخري
« فی قعره شمس تضیء، لا ینبغی ان یطلع علیها إلّا الواحد الفرد » : ثمّ قال
أي إلّا الاوحدي من الناس ممن وقف علی حقیقۀ الدین و عرف اسسه المحکمۀ.
و هذا دلیل علی ان النهی عن الولوج فیه انما کان لمعرفته (علیه السلام) قصور أهل زمانه فی إدراك امثال هذه الحقائق العلیا.
و أخیرا ندّد (علیه السلام) باولئک القاصرین ما لو حاولوا التکلیف فی مسألۀ القدر.
« فمن تطلع علیها » : فقال
أي حاول التطلع علی تلک الشمس التی هی شمس الحقیقۀ، و هو لیس من أهلها
-4 /7 «1» « فقد ضاد اللّه فی حکمه، و نازعه فی سلطانه، و کشف عن سره و ستره، و باء بغضب من اللّه، و مأواه جهنم و بئس المصیر »
و عن ابن اذینۀ قال: قلت للامام الصادق (علیه السلام): جعلت فداك، ما تقول فی القضاء و القدر؟ قال: أقول: ان اللّه تعالی إذا جمع
.«2» ! العباد یوم القیامۀ سألهم عما عهد الیهم، و لم یسألهم عما قضی علیهم
-5 /8
و قال الامام الصادق (علیه السلام) لزرارة بن أعین: یا زرارة اعطیک جملۀ فی القضاء و القدر؟ قال: نعم، جعلت فداك. قال: إذا کان
. یوم ( 1) کتاب التوحید للصدوق: ص 392 . و الاعتقادات: ص 71 . و البحار: ج 5 ص 97
. 374 . و البحار: ج 5 ص 112 رقم 38 - 2) کتاب التوحید للصدوق: ص 373 )
ص: 350
.«1» القیامۀ، و جمع اللّه الخلائق، سألهم عما عهد الیهم، و لم یسألهم عما قضی علیهم
فیأمر هما الامام « ایاك اعنی و اسمعی یا جارة » هکذا کلام من الامام (علیه السلام) بالنسبۀ إلی هذین العلمین الجلیلین، لعله من باب
ان یکفّا عن التعرض لمثل هذه المسألۀ الدقیقۀ فی الأوساط العامیۀ، و لا سیما و البحث و الجدل فی هکذا امور عقائدیۀ غامضۀ کان
دارجا ذلک العهد، و اکثرهم کان فی تخبط و تخلیط.
و خلاصۀ هذا الکلام: ان علی العوام ان یبحثوا عن التکالیف المعهودة الیهم، لیتبینوا ما هی وظیفتهم فی العمل، أمّا البحث عن مسألۀ
القضاء و القدر فهو بحث عن وظیفۀ اللّه فی الخلق، و لیس مما یسأل العباد فهمه. فهو تدخل فیما لا یعنی.
الطائفۀ الثالثۀ: أحادیث مفسرة لمسألۀ القضاء و القدر، و شارحۀ لفحواها غیر انها جاءت بتعابیر و ألسن متفاوتۀ، و لعله حسب اختلاف
مستوي الأوساط التی صدرت تلک الاحادیث الیها.
-1 / فمنها اشارات عابرة و فی تعابیر اجمالیۀ، و منها مفصلۀ و بعبارات توضیحیۀ متلاحقۀ، و لنذکر من کلا النوعین نماذج:- 9
.«2» « إنّ اللّه إذا أراد شیئا قدره، فإذا قدره قضاء، و إذا قضاه امضاه » :( قال الامام أبو عبد اللّه الصادق (علیه السلام
-2 /10
لا یکون شیء فی الأرض و لا فی السماء إلّا بهذه الخصال السبع: بمشیۀ، و إرادة، و قدر، و » :( و قال الامام أبو جعفر الباقر (علیه السلام
. قضاء، ( 1) کنز الفوائد للکراجکی ص 171 . و البحار: ج 5 ص 60 رقم 111
صفحۀ 204 من 268
. 2) محاسن البرقی: ص 243 . و البحار: ج 5 ص 121 )
ص: 351
.«2» و روي قریبا منه الصدوق فی الخصال فی باب السبعۀ . «1» « و اذن، و کتاب و أجل ... الخ
-3 /11
و سئل أمیر المؤمنین (علیه السلام) عن القضاء و القدر. فقال:
لا تقولوا: و کلهم اللّه إلی أنفسهم فتوهنوه. و لا تقولوا: اجبرهم علی المعاصی فتظلموه. و لکن قولوا: الخیر بتوفیق اللّه. و الشر »
.«3» بخذلان اللّه. و کلّ سابق فی علم اللّه
« القضاء و القدر » و مسألۀ ،« الأمر بین الأمرین » هذا الحدیث الشریف من جلائل کلمات الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام) یشرح مسألۀ
فی أفعال العباد الاختیاریۀ بأوجز کلام و أوفی تعبیر بلیغ.
یقول (علیه السلام): لیست الامور موکولۀ إلی العباد کاملۀ لتکون خارجۀ عن سلطان اللّه، و هذا هو التفویض الباطل فی مذهبنا.
و هکذا لیس العباد مضطرین فیما یعملون، لتکون أفعالهم واقعۀ لا عن ارادتهم و لا عن اختیارهم رأسا، و هذا هو الجبر الباطل أیضا.
بل الأمر بین الأمرین، لا جبر و لا تفویض. فان الافعال و ان کانت لا تقع إلّا بایقاعه تعالی و ایجاده، لکنها انما تقع بارادة تبعیۀ لارادة
العباد- فیما یخص الأفعال الاختیاریۀ- تحقیقا لمبدأ الاختیار و کان هذا هو المعبر عنه بالاذن منه تعالی، الأمر الذي لا ینبغی اشتباهه
لمبدأ الجبر و لا التفویض. حسبما تقدم تفصیله.
نعم هناك فی الأعمال الصالحۀ لا یعدم العباد توفیقه تعالی بالتسهیل و التسدید کما لا یعدم القائمون بالشر خذلانه و حرمانه عن
ألطافه تعالی الخاصۀ.
. هذا ما یستفاد من الحدیث الشریف إجمالیا، فأجدر به من کلام بلیغ بدیع! ( 1) نفس المصدر: ص 244
. 2) الخصال: ح 2 ص 349 )
. 3) الاحتجاج للطبرسی: ص 110 . و البحار: ج 5 ص 95 ح 16 )
ص: 352
-4 و للامام الکاظم موسی بن جعفر (علیه السلام) کلام تفصیلی عن مسألۀ القضاء و القدر، وصلتها بمسألۀ علمه تعالی الأزلی و /12
مشیئته، نذکره فی تقاطیع متلاحقۀ حسب الترتیب الطبعی الذي رتبه الامام (علیه السلام):-
قال: علم و شاء، و أراد و قدّر، و قضی و أمضی! فأمضی ما قضی، و قضی ما قدر، و قدر ما أراد! فبعلمه کانت المشیئۀ، و بمشیئته
کانت الارادة، و بارادته کان التقدیر، و بتقدیره کان القضاء، و بقضائه کان الامضاء.
فالعلم متقدم علی المشیئۀ، و المشیئۀ ثانیۀ، و الارادة ثالثۀ، و التقدیر واقع علی القضاء.
فللّه تبارك و تعالی البداء فیما علم متی شاء، و فیما أراد لتقدیر الاشیاء، فاذا وقع القضاء بالامضاء فلا بداء.
فالعلم بالمعلوم قبل کونه، و المشیئۀ فی المشاء قبل عینه، و الارادة فی المراد قبل قیامه، و التقدیر لهذه المعلومات قبل تفصیلها و
توصیلها عیانا و قیاما (و وقتا خ ل).
و القضاء بالامضاء هو المبرم من المفعولات ذوات الاجسام المدرکات بالحواس من ذي لون و ریح، و وزن و کیل، و ما دبّ و درج،
من انس و جن، و طیر و سباع و غیر ذلک مما یدرك بالحواس. فللّه تبارك و تعالی فیه البداء، مما لا عین له. فاذا وقع العین المفهوم
المدرك فلا بداء، و اللّه یفعل ما یشاء.
و بالمشیئۀ عرف صفاتها و حدودها، و أنشأها قبل اظهارها. و بالارادة میز أنفسها فی ألوانها و ،«1» و بالعلم علم الأشیاء قبل کونها
أولها و آخرها، و بالقضاء أبان للناس أماکنها ( 1) لا یشتبه هذا التعبیر بمذهب «2» صفاتها و حدودها، و بالتقدیر قدّر أقواتها، و عرّف
صفحۀ 205 من 268
الأشعري القائل بقیام مبدأ الصفات بذاته تعالی. إذ مراد الامام (علیه السلام) بیان اثبات نفس الصفات من غیر نظر الی مبادئها. کما
یظهر من بقیۀ الجمل.
2) بالتشدید من باب التفعیل. )
ص: 353
.«1» و دلهم علیها، و بالامضاء شرح عللها، و أبان أمرها. ذلک تقدیر العزیز العلیم
و لعلنا فی هذا التقطیع سهلنا علی القارئ فهم فحوي الحدیث بعض الشیء أمّا شرحه المستوفی فخارج عن نطاق الکتاب. و قد شرحه
و نقل عن بعض الافاضل هناك بیانا علمیا لا .«104 - بحار الأنوار ج 5 ص 102 » العلامۀ المجلسی- قدس سره- فی موسوعته القیمۀ
بأس به. و ان شئت فراجع تجد فیه ما یروي الغلیل و یشفی العلیل.
مصابیح الانوار » و للسید عبد اللّه شبّر- أیضا- مقال ضاف حول تفسیر هذا الحدیث، تکلم فیه بتفصیل و تحقیق فی کتابه القیم الخالد
.«58 - فی حل مشکلات الاخبار ج 1 ص 48
-5 /13
الغلو فی القدر هو القول بالجبر، بجعل افعال العباد «2» « ما غلا أحد فی القدر إلّا خرج من الایمان » :( قال أمیر المؤمنین (علیه السلام
خارجۀ عن اختیارهم و واقعۀ تحت ارادته تعالی تقع حیثما یشاء لا شأن للعباد فی ذلک رأسا. و هذا هو مذهب العرب الجاهلی الذي
کافحه الاسلام بشدة.
و للحدیث تفسیر آخر: یکون الغلو فی عقیدة التفویض، لیکون اللّه قد قدر الاشیاء و ترکها تتحقق بذواتها وفق تقدیر اللّه القدیم. و لا
شأن لإذنه تعالی فی تحقق الافعال و الموجودات. و هذا مذهب أهل التفویض. جاءت تسمیتهم فی احادیث أهل البیت بالقدریۀ.
و یدل علی هذا المعنی الثانی ما
إنّ القدریۀ مجوس هذه الامۀ، و هم الذین أرادوا ان یصفوا اللّه بعدله فأخرجوه » : رواه الصدوق عن الامام الصادق (علیه السلام) قال
. 346 . و البحار: ج 5 ص 102 - 1) کتاب التوحید للصدوق: ص 345 ) .«3» « من سلطانه
. 2) ثواب الاعمال للصدوق: ص 205 . و البحار: ج 5 ص 120 رقم 60 )
. 3) کتاب التوحید للصدوق: ص 390 )
ص: 354
-6 /14
.«2» ! یستشفی بها، هل ترد من قدر اللّه؟ فقال: إنّها من قدر اللّه «1» و سئل النبیّ (صلّی اللّه علیه و آله و سلّم) عن الرقی
و هذا کالدعاء و الاستغفار یردّ القضاء و قد ابرم إبراما- کما فی الحدیث- قال تعالی: یَمْحُوا اللَّهُ ما یَشاءُ وَ یُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْکِتابِ
فالتقدیر الاوّل- مثلا- ان یشتد مرض فلان علی أثر عمله کذا. ثمّ إذا شرب الدواء الناجح أو ابتهل إلی اللّه فی شفاء، فقد قدر .«3»
شفاؤه لذلک. فکما ان الأوّل تقدیر کذلک الثانی تقدیر. و هذا واضح إذا ما راجعت تفسیرنا للقدر، و هو العلم بالملاکات و
المقتضیات هل تتصادم مع الموانع أم لا؟.
-7 /15
و عن ابن نباتۀ، قال: ان أمیر المؤمنین (علیه السلام) عدل من عند حائط مائل إلی حائط آخر، فقیل له: یا أمیر المؤمنین، تفر من قضاء
اللّه؟ قال:
.«4» أفر من قضاء اللّه إلی قدر اللّه عزّ و جلّ
.« وجوب التحفظ علی النفس » و لعل عمله (علیه السلام) ذلک کان امتثالا لدستور اسلامی
صفحۀ 206 من 268
خمسۀ لا یستجاب لهم أحدهم رجل مرّ بحائط مائل، و هو » :( قال الامام الصادق (علیه السلام): قال رسول اللّه (صلّی اللّه علیه و آله
.«5» « یقبل الیه، و لم یسرع المشی، حتی سقط علیه
أمّا بالنسبۀ إلی علمه الخاص- فی مقام ولایته التکوینیۀ- فجائز، ان یعمل وفق علمه، کما
فی الحدیث عن الامام الصادق (علیه السلام) قال: ان أمیر المؤمنین (علیه السلام) جلس إلی حائط مائل، یقضی بین الناس. فقال
بعضهم: لا تقعد تحت هذا الحائط فانه معور. فقال أمیر المؤمنین: حرس کلّ ( 1) الرقیۀ: العوذة، و هی دعاء یشد علی المریض
لاستشفائه من عند اللّه. علی شریطۀ ان تکون مأثورة بالاثر الصحیح.
. 2) قرب الاسناد: ص 45 . و البحار: ج 5 ص 87 رقم 1 )
. 3) لرعد: 39 )
. 4) کتاب التوحید للصدوق: ص 377 . و البحار: ج 5 ص 114 رقم 41 )
. 5) الخصال للصدوق باب الخمسۀ: ص 272 برقم 71 و البحار: ج 5 ص 105 )
ص: 355
امرئ أجله. فلما قام سقط الحائط.
.«1» قال الامام الصادق (علیه السلام): و کان أمیر المؤمنین (علیه السلام) یفعل هذا و اشباهه. و هذا الیقین
یا سعید، إنه لیس من عبد إلّا » : و قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) لسعید بن قیس الهمدانی عند ما نصحه لیقی بنفسه عن غیلۀ الاعداء
و له من اللّه- عزّ و جلّ- حافظ و واقیۀ. معه ملکان یحفظانه من ان یسقط من رأس جبل، أو یقع فی بئر. فاذا نزل القضاء خلیا بینه و
.«2» « بین کلّ شیء
بیان لطیف فی توجیه موقف الامام أمیر المؤمنین من قضیۀ الحائط المعور، حیث احتاط فی مورد و لم «3» - و للعلامۀ المجلسی- هنا
. 105 رقم 30 - یعبه به فی مورد آخر. فراجع. ( 1) الکافی الشریف: ج 2 ص 58 . و البحار: ج 5 ص 104
.59 - 2) نفس المصدر: ص 58 )
. 3) بحار الانوار: ج 5 ص 105 تحت الرقم: 31 )
ص: 356
مسألۀ السعادة و الشقاء:
هل السعید من کتبت له السعادة فی الأزل، و الشقی من کتب له :« السعادة و الشقاء » من المسائل المستعصیۀ فی الاصول هی مسألۀ
الشقاء فی بطن أمّه و قبل ان یولد؟! إذن فما موقف السعید من سعادته، و موقف الشقی من شقائه؟ إذا کانت السعادة و الشقاء أمرین
قد تطلق و یقصد « السعادة » : خارجین عن اختیار المکلّف ذاته، و انما هما مفروضان علیه، رغم ارادته و مساعیه فی هذه الحیاة؟! قلت
بها معنی نفسی، و هی حالۀ استقامۀ للنفس تجعلها ترغب- دائما- فی الخیر و فی مناشئ الصلاح، و لا تمیل فی ذاتها إلی شرّ أو فساد.
حالۀ نفسیۀ منحرفۀ تمیل بها إلی الشر و الفساد و لا ترغب فی خیر و لا فی صلاح. و تسمی هذه الحالۀ « الشقاء » و فی مقابلۀ ذلک
.« طیب النفس » أي « سعید » کما تسمی الحالۀ الاولی بطیب النفس، و صاحبها .«1» « خبیث » أي « شقی » بالخباثۀ النفسیۀ، و صاحبها
و للسعادة و الشقاء معنی آخر یرتبط و حالۀ الانسان الظاهریۀ مما یمس عیشته فی هذه الحیاة. إذ تکون السعادة حینذاك بمعنی الرفاه
فی العیش، و الشقاء بمعنی العناء أي الضیق و الشدة فی الحیاة.
قال تعالی: طه ما أَنْزَلْنا عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لِتَشْقی أي لتضیق علی نفسک ( 1) کما فی قوله تعالی: وَ لَمْ یَجْعَلْنِی جَبَّاراً شَ قِیا- مریم: 32 . و
.12 - قوله: کَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها، إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها- الشمس: 11
صفحۀ 207 من 268
ص: 357
أي فتتعب و تقع فی عناء العیش بعد هذا الرغد و «1» بکثرة العبادة و نبذ لذائذ الحیاة رأسا. و قال: فَلا یُخْرِجَنَّکُما مِنَ الْجَنَّۀِ فَتَشْقی
المرفهیۀ.
« من سعادة المرء سعۀ داره، و من شقاءه ضیق داره » : کما ورد فی الحدیث
أي من قدّر له الرفاه فی هذه الحیاة کان من دلائله ان ینعم بسعۀ فی داره، و من قدر له الضیق فی الحیاة، کان من دلائله ان یرزق بدار
ضیقۀ. إذ لیست سعۀ الدار و لا ضیقها مما یرتبط و مسألۀ السعادة و الشقاء بمعنی طیب النفس و خبثها، و من ثمّ جاء
« من شقاء العیش ضیق المنزل » : فی روایۀ اخري
.«2» أي من سوء الحظ فی الحیاة ان تکون دار سکنی الانسان ضیقۀ
إذن فالسعید- علی هذا التفسیر- هو صاحب الحظ الوفیر فی هذه الحیاة و الشقی: المحروم التعیس.
و نحن قد فسرنا
-«3» « السعید من سعد فی بطن امّه، و الشقی من شقی فی بطن امه » الحدیث المأثور
أي من قدر له الرفاه فی هذه الحیاة فان دلائله تبدو من حین انعقاد نطفته، فانه ینعم برفاه .«4» فی بعض المجالات- بهذا المعنی الثانی
فی نفسه و فی امّه فتقضی دور حملها به فی ارتیاح و رغد من العیش الهنیء. أمّا التعیس المحروم فان تعاسته لتسري إلی حالۀ امّه،
لتقضی دور حملها فی عناء و عطب و قلق نفسی و اضطراب.
و لعل الاطلاق الاوّل من السعادة و الشقاء، استعارة من هذا المعنی، تشبیها لغیر المحسوس بالمحسوس، فالسعید الطیب النفس مرفه
و الشقی الخبیث یعیش « الذین آمنوا و تطمئن قلوبهم » . علیه نفسیا، انه یعیش فی آفاق متسعۀ الأبعاد، فی طمأنینۀ من الحیاة و ارتیاح
. فی قلق و حرج و اضطراب نفسی، فی إطار ضیق ( 1) طه: 117
.560 - 2) مکارم الاخلاق للطبرسی، و الوسائل أبواب أحکام المساکن: ج 3 ص 557 )
3) بحار الانوار ج 5 ص 153 رقم 1 نقلا عن أمالی الصدوق. )
4) و للحدیث تفسیر آخر سیأتی فی حدیث ابن أبی عمیر مع الامام موسی بن جعفر (علیه السلام). )
ص: 358
من الحیاة الدنیا الحالکۀ، الملیئۀ بالأکدار و الأخطار.
أمّا السعادة و الشقاء بالمعنی الأوّل، فلم یقدّر لأحد أن یکون شقیا أي خبیثا لان اللّه تعالی لم یخلق أحدا للنار، و انما خلقهم لیکونوا
مؤمنین مطیعین، و لینعموا برضوانه فی جنۀ عدن محبورین. و انما یخبث من یخبث بسوء اختیاره و انهماکه فی شهوات دنیا و لذائذ
وقتیۀ سفلی، ثمّ تحیط به خطیئاته، و تحول دون نور عقله آثامه، فیعمی قلبه و یعشی بصره و یصم إذنه، و اخیرا یفقد شخصیته
الانسانیۀ الکریمۀ. و من ثمّ صحّ التعبیر فی شأنه: قد غلبت علیه شقوته، فأمسی من السافلین.
.«2» « بأعمالهم شقوا » : قال «1» قال الامام أبو عبد اللّه الصادق (علیه السلام) فی قوله تعالی: قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَیْنا شِقْوَتُنا
هذا الحدیث الشریف یؤکد علی ان الشقاء أمر مکتسب من قبل العبد نفسه، و لیس أمرا مفروضا علیه من قبل اللّه سبحانه. حیث عدله
و حکمته تأبی فرض الشر علی أحد اطلاقا.
و سأل ابن أبی عمیر- المحدث العلامۀ العملاق- أبا الحسن الامام موسی بن جعفر (علیه السلام) عن تفسیر قول رسول اللّه (صلّی اللّه
.« الشقی من شقی فی بطن امّه، و السعید من سعد فی بطن امّه » ( علیه و آله
الشقی من علم اللّه- و هو فی بطن امّه- انه سیعمل اعمال الأشقیاء. » :( فقال الامام (علیه السلام
.« و السعید من علم اللّه- و هو فی بطن امّه- انه سیعمل أعمال السعداء
صفحۀ 208 من 268
فسأله ثانیۀ: فما معنی
.«3» « اعملوا فکلّ میسّر لما خلق له » :( قوله (صلّی اللّه علیه و آله
. ان اللّه- عزّ و جلّ- خلق الجن و الانس لیعبدوه، و لم ( 1) المؤمنون: 106 » : فقال الامام
. 2) کتاب التوحید للصدوق: ص 366 . و البحار: ج 5 ص 157 رقم 10 )
3) هذا الحدیث رواه أهل السنۀ بعدة اسانید، منها ما رواه البخاري فی جامعه باب قول اللّه تعالی: )
وَ لَقَدْ یَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّکْرِ.
و هکذا رووا .« کل میسر لما خلق له » : عن عمران قال: قلت: یا رسول اللّه، فیما یعمل العاملون؟ قال
صحیح ) .« اعملوا فکل میسر » : عن علی (علیه السلام) قال
ص: 359
یخلقهم لیعصوه. و ذلک قوله- عز و جل- وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِیَعْبُدُونِ. فیسر کلا لما خلق له فالویل لمن استحب العمی
.«1» « علی الهدي
هذا من جلائل احادیث أهل البیت (علیهم السلام)- و هم أدري بما فی البیت- و هو یؤکد تماما ما ذکرنا: ان أحدا لم یقدّر له أن
یکون شقیا أو خبیثا.
و قوله أخیرا:
« فیسر کلا لما خلق له »
أي ان اللّه تبارك و تعالی انما خلق العباد لیعبدوه و لیختاروا طاعته علی معصیته، و من ثمّ «2» إشارة إلی قوله تعالی: ثُمَّ السَّبِیلَ یَسَّرَهُ
أقدرهم علی کلا الأمرین و یسر لهم طرق الامتثال لتکون اطاعتهم عن اختیار و عبادتهم عن رغبۀ و إرادة، و هکذا کانت منحۀ
الاختیار لحکمۀ التکلیف و الاختیار، إلّا ان من العباد من یستغل هذه المنحۀ الإلهیۀ فی اغراض مخالفۀ فیستعمل من قدرته و قواه، فی
اتجاه معاکس لغرضه تعالی. فویل له من هذه الاستفادة السیئۀ.
و قد جاء هذا المعنی فی أحادیث کثیرة، منها: ما
یا ابن آدم، بمشیئتی کنت أنت الذي تشاء (أي الاذن منه تعالی) » : رواه البزنطی عن الامام (علیه السلام) فیما نقله من الحدیث القدسی
و بنعمتی ادّیت إلی فرائضی، و بقدرتی قویت علی معصیتی خلقتک سمیعا بصیرا. انا اولی بحسناتک منک، و أنت اولی بسیئاتک
.«3» « منی ... الخ
و فی حدیث الزندیق، سأل الامام أبا عبد اللّه الصادق (علیه السلام) فقال: أخبرنی عن اللّه، کیف لم یخلق الخلق کلهم مطیعین؟ قال:
لو خلقهم مطیعین لم یکن ثواب، لان الطاعۀ إذا لم تکن من فعلهم لم تکن جنۀ و لا نار. البخاري ج 9 ص 195 ). و قد أخذت
الأشاعرة- و هم جل أهل السنۀ- من هذه الأحادیث دلیلا علی مذهبهم فی الجبر، حسبما یأتی. و من ثم فان الامام (علیه السلام) مع
اقراره لاصل الحدیث یخطؤهم فی فهم معناه و ان له تفسیرا یتوافق مع عدله و حکمته تعالی علی ما بیّنه الامام (علیه السلام).
. 1) کتاب التوحید للصدوق: ص 366 . و البحار: ج 5 ص 157 رقم 10 )
. 2) عبس: 20 )
. 3) قرب الاسناد: ص 151 . و البحار: ج 5 ص 54 رقم 3 )
ص: 360
لکنه تعالی خلقهم فأمرهم و نهاهم، لیکونوا هم الذین یطیعون و یعصون.
الزندیق: أ لیس العمل الصالح و العمل الشر من فعل العبد؟.
صفحۀ 209 من 268
الامام: العمل الصالح یفعله العبد و اللّه أمره به، و العمل الشر یفعله العبد و اللّه نهاه عنه.
الزندیق: أ لیس فعل العبد بالآلۀ التی رکبها فیه؟
.«1» الامام: نعم، و لکن بالآلۀ التی عمل بها الخیر، قدر بها علی الشر الذي نهاه ... الخ
و بعد فالیک من آیات السعادة و الشقاء نماذج:
.«2» -1 قال تعالی: یَوْمَ یَأْتِ لا تَکَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَمِنْهُمْ شَقِیٌّ وَ سَعِیدٌ
ان هذه الآیۀ الکریمۀ تدل علی مذهبهم فی الجبر، و ان السعید من کتبت له -«3» زعمت الأشاعرة- و هم جبریۀ خالصۀ علی ما أسفلنا
السعادة فلا یستطیع غیرها. و الشقی من کتب له الشقاء فلا یستطیع غیره، و من ثمّ اخبر سبحانه بان من یدخل الجنۀ هم السعداء، و ان
من یدخل النار هم الأشقیاء! قال مفسرهم و امامهم المتفلسف الفخر الرازي- بشأن دلالۀ الآیۀ-: اعلم انه تعالی حکم الآن علی بعض
أهل القیامۀ بأنّه سعید، و علی بعضهم بأنّه شقی.
و من حکم اللّه علیه بحکم و علم منه ذلک الأمر، امتنع کونه بخلافه. و إلّا لزم ان یصیر خبر اللّه تعالی کذبا و علمه جهلا، و ذلک
محال. فثبت ان السعید لا ینقلب شقیا. و ان الشقی لا ینقلب سعیدا. قال: و تقریر هذا الدلیل مرّ فی هذا الکتاب (یعنی تفسیره الکبیر)
مرارا لا تحصی.
قال: و
روي عن عمر بن الخطاب انه قال: لما نزل قوله تعالی فَمِنْهُمْ شَقِیٌّ وَ سَعِیدٌ
. 19 رقم 29 - 1) الاحتجاج للطبرسی: ص 186 . و البحار: ج 5 ص 18 )
. 2) هود: 105 )
3) راجع: ص 69 فیما اثبتناه عن أبی الحسن الأشعري فی قوله بالجبر. )
ص: 361
علی شیء قد فرغ منه یا عمر، و » : و قلت: یا رسول اللّه، فعلی ما ذا نعمل؟ علی شیء قد فرغ منه، أم علی شیء لم یفرغ منه؟ فقال
.«1» « جفت به الأقلام، و جرت به الأقدار، و لکن کلّ میسر لما خلق له
.« نقل عن الحسن أنّه قال: فمنهم شقی بعمله و سعید بعمله » : ثمّ قال: و قالت المعتزلۀ
و أجاب بأن الدلیل القاطع (الذي اقامه- فیما زعم- علی اثبات الجبر) لا یدفع بهذه الروایات! و قال- أخیرا-: و أیضا فلا نزاع أنّه انما
.«2» شقی بعمله، و انما سعد بعمله، و لکن لما کان ذلک العمل حاصلا بقضاء اللّه و قدره، کان الدلیل الذي ذکرناه باقیا
قلت: أمّا الروایۀ التی رووها عن ابن الخطاب فلا نعتمدها نحن بالذات أوّلا- لضعف الاسناد، لان فی طریقها سلیمان بن سفیان عن
.«3» عبد اللّه بن دینار. و قد ضعفه أئمّۀ النقد و التمحیص
ثانیا- لمخالفتها لاصول العدل و الحکمۀ فی ذاته تعالی المقدسۀ.
ثالثا- و علی فرض تسلیمها فلا بدّ من تفسیرها بما لا یتنافی مع مذهب العدل. قال الشیخ محمد عبده: و معناه- الذي غفل عنه أو جهله
الکثیرون علی ظهوره-: ان اللّه یعلم الغیب، و علمه بان زیدا یدخل الجنۀ أو النار، لیس معناه انه یدخلها بغیر عمل یستحقها به بحسب
وعده و حکمته، و لا أنّه لا فرق فیما یعمله فی الجزاء. و انما یعلم اللّه المستقبل کله بجمیع اجزائه و اطرافه، و منه عمل العاملین و ما
یترتب علی کلّ عمل من الجزاء بحسب وعده و وعیده فی کتابه ( 1) هذه الروایۀ رواها جمیع ارباب التفسیر و غیرهم من محدثی
. العامۀ. انظر: الطبري- التفسیر-: ج 12 ص 70
.61 - 2) التفسیر الکبیر: ج 18 ص 60 )
. 3) انظر: المغنی فی الضعفاء للذهبی: ج 1 ص 280 برقم 2590 )
صفحۀ 210 من 268
ص: 362
المنزل و کتابته للمقادیر. و لا تناقض و لا تعارض بینهما. و نحن لا نعلم الغیب، و لکن النبیّ (صلّی اللّه علیه و آله) علمنا ما نعلم به ما
و ان کلّ انسان میسر له و مسهل علیه ما خلقه اللّه لأجله من سعادة الجنۀ و شقاوة النار، و « ان الجزاء بالعمل » سیکون فی الجملۀ، و هو
.«1» ان ما وهبه للانسان من العزم و الارادة یکون له من التأثیر فی تربیۀ النفس ما یوجهها به إلی ما یعتقد ان فیه سعادته
و هذا المعنی الذي تنبه له الشیخ عبده هو الذي نقله أصحاب الاعتزال عن الحسن و انکره الرازي الأشعري.
ما یتوافق و مذهب العدل، تفسیرا لما روي عن النبیّ (صلّی اللّه علیه و «2» ( و هکذا تقدم فی روایات أهل بیت العصمۀ (علیهم السلام
آله) بهذا الشأن.
و لسیدنا الطباطبائی رد لطیف علی تلفیقات الامام الرازي، علی اصول فلسفیۀ حکیمۀ، بیّن فیها اوجه المغالطۀ التی ارتکبها امام
.«3» المشککین، فراجع
من ذلک قوله- أخیرا-: کان العمل حاصلا بقضاء اللّه ... الخ. إذ لیس هذا الکلام سوي تکرار لکلامه الأوّل و مصادرة علی
المطلوب، لانا قد بینا ان لیس معنی القضاء و القدر سوي علمه تعالی بمقادیر الأشیاء و امضاءه الوجود وفقها من غیر ان یکون علمه
تعالی علۀ فی التأثیر.
إذ لو لاحظنا من السعادة و الشقاء أمرین مفروضین علی العباد، فان مسئولیتهما تقع علی الذي فرض علیهم- و هو اللّه تعالی حسب
مزعومۀ الأشعري- و هذا بعینه الجبر. أمّا إذا اعتبرتا انهما من عمل العباد أنفسهم، و انهم بالعمل یسعدون أو یشقون، فمعناه ان
المسئولیۀ ترجع الیهم بالذات لا إلی اللّه، کما علیه مذهب أهل العدل و التنزیه. إذن فارجاع الاعمال إلی اللّه حینئذ، لیکون اللّه هو
. المسئول عن أفعال العباد- کما یرومه القائل بالجبر- یکون ذلک عودا إلی ( 1) تفسیر المنار: ج 12 ص 159
.355 - 2) الصفحۀ: 346 )
. ج 11 ص 18 « المیزان » 3) تفسیر )
ص: 363
القول الأول. و سلب المسئولیۀ عن العباد تجاه اعمالهم و ما یستتبعها من سعادة و شقاء، لا شیء آخر! و کم لامام المشککین و شیخه
الأشعري امثال هذه المغالطات المفضوحۀ!!.
أمّا مدلول الآیۀ الکریمۀ بالذات فان الشقاء و السعادة فیها یعنیان سوء الحال و حسنه ذلک الیوم، أي فمنهم التعیس المتضایق علیه
بالعذاب و شدة المؤاخذة و مصیره إلی النار، و منهم الفاره المنعم علیه بالثواب و رفق اللطف به و مآله إلی الجنۀ. نظیر قوله تعالی فی
آیۀ اخري: وَ تُنْذِرَ یَوْمَ الْجَمْعِ لا رَیْبَ فِیهِ، فَرِیقٌ فِی الْجَنَّۀِ وَ فَرِیقٌ فِی السَّعِیرِ. وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّۀً واحِ دَةً، وَ لکِنْ یُدْخِلُ مَنْ یَشاءُ
فِی رَحْمَتِهِ (و هم الذین استحقوا رحمته بایمانهم و اعمالهم الصالحۀ) وَ الظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِیٍّ وَ لا نَصِ یرٍ. (و هم الاشقیاء الأذلاء
.«1» ( الذین استوجبوا الذل و الهوان لأنفسهم، بما اعرضوا عن ذکر اللّه و نسوا لقاء یومهم هذا
إذن لیست السعادة و الشقاء فی الآیۀ من النوع المصطلح المبحوث عنه.
و انما هما بالمعنی الثانی الذي قدّمنا شرحه، و لا صلۀ بینه و بین مسألۀ الجبر و الاختیار فی شیء.
و دلیلا علی ذلک ما جاء فی تعقیب الآیۀ بالذات: فَأَمَّا الَّذِینَ شَ قُوا (أي ساء حظهم ذلک الیوم) فَفِی النَّارِ لَهُمْ فِیها زَفِیرٌ وَ شَ هِیقٌ.
خالِدِینَ فِیها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ، إِلَّا ما شاءَ رَبُّکَ، إِنَّ رَبَّکَ فَعَّالٌ لِما یُرِیدُ. وَ أَمَّا الَّذِینَ سُعِدُوا (أي رجحت صفقتهم و حظوا
.«2» برحمته تعالی الخاصۀ) فَفِی الْجَنَّۀِ خالِدِینَ فِیها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ، إِلَّا ما شاءَ رَبُّکَ، عَطاءً غَیْرَ مَجْذُوذٍ
.8 - بعد قوله تعالی ( 1) الشوري: 7 .«3» -2 قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَیْنا شِقْوَتُنا وَ کُنَّا قَوْماً ضالِّینَ
.108 - 2) هود: 106 )
صفحۀ 211 من 268
. 3) المؤمنون: 106 )
ص: 364
موبّخا إیاهم: أَ لَمْ تَکُنْ آیاتِی تُتْلی عَلَیْکُمْ فَکُنْتُمْ بِها تُکَ ذِّبُونَ. فکأنهم حاولوا بذلک ابداء الاستعذار، أي بلی تلیت آیاتک غیر ان
شقاءنا النفسی المسیطر علی وجودنا و مشاعرنا، غلبنا و لم یدعنا نجیب دعوتک فضللنا!!.
و ربما تمسکت الأشاعرة بهذه الآیۀ- أیضا- دلیلا علی الجبر و عدم استطاعۀ العباد علی الایمان و علی الاستقامۀ علی طریق الهدي، إلّا
قال: « غلبت علینا شقوتنا » : ان یکون حافز من خارج ذاتهم، حسبما کتبه رب العالمین من سعادة أو شقاء! و رووا عن مجاهد فی قوله
.«1» التی کتبت علینا
قال أهل العدل و التنزیه: هذا الذي رامه أهل الجبر تحریف بظاهر الآیۀ و تأویل بمدلولها من غیر ما سبب معقول. لأن ظاهر الآیۀ
الکریمۀ أنّ العصاة انما قالوا ذلک اعترافا منهم بعدم الحجۀ لهم و ان لا عذر لهم فی الاعراض و التولی.
الأمر الذي یدل علی ان لهم فی اکتسابها یدا، و انها کانت من صنیع أعمالهم السیئۀ « شقوتنا » بدلیل انهم اضافوا الشقوة إلی انفسهم
التی ارتکبوها.
و لو کانت الشقوة مما سجلت علیهم فی الازل الزاما و الجاء لکانت عذرا لهم البتۀ، و لکان لهم ان یقولوا: انهم من صنیعک یا ربنا و
لا حجۀ لک علینا.
و الخلاصۀ ان الآیۀ- حسب اقرار کبار المفسرین و علماء الأدب و البیان ظاهرة فی الاعتراف باتمام الحجۀ علیهم و انهم بسوء
اختیارهم فعلوا ما فعلوا و من ثمّ هم نادمون علی ما فرط منهم، راجین منه تعالی ان یمن علیهم بالعودة لاصلاح ما افسدوه من قبل، و
.«2» استدراك ما فات. رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ
قال سیدنا الطباطبائی- دام ظلّه-: هذا اعتراف منهم بتمام الحجۀ علیهم ( 1) رواها محمد بن جریر الطبري بعدة أسانید، انظر التفسیر: ج
. 18 ص 44
. 2) المؤمنون: 107 )
ص: 365
و کانت الشقوة شقوة انفسهم أي شقوة لازمۀ لسوء اختیارهم و أثر سیئات أعمالهم حیث أضافوها إلی أنفسهم. قال: و یشهد لذلک
وقوع الآیۀ بعد قوله:
ربنا أخرجنا ... » : أَ لَمْ تَکُنْ آیاتِی تُتْلی عَلَیْکُمْ فَکُنْتُمْ بِها تُکَذِّبُونَ. و تعقیبها بقوله
.« الخ
قال: و انما اعترفوا بالذنب و التقصیر لیتوصلوا بذلک إلی التخلص من العذاب، و للرجوع الی کسب السعادة، فقد کانوا عاینوا من قبل
ان اعتراف العاصی بالذنب و الصغار کانت توبۀ له و مطهرة له من الذنب، فکانت تنجیه من العقاب.
قال: و هذا من قبیل ظهور الملکات، کانوا یکذبون من قبل مع ظهور الحق و معاینته بشهود، کذلک یکذبون ذلک الیوم تجاه رب
العالمین. لاستقرار ملکۀ الکذب فی نفوسهم یَوْمَ یَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِیعاً فَیَحْلِفُونَ لَهُ کَما یَحْلِفُونَ لَکُمْ وَ یَحْسَ بُونَ أَنَّهُمْ عَلی شَیْءٍ أَلا إِنَّهُمْ
.«2» «1» هُمُ الْکاذِبُونَ
و الدلیل علی انهم یکذبون ذلک الیوم بکل وقاحۀ و شراسۀ، قوله .«3» و من ثمّ جاءهم الرد القاصف: قالَ اخْسَؤُا فِیها وَ لا تُکَلِّمُونِ
تعالی: ثُمَّ قِیلَ لَهُمْ: أَیْنَ ما کُنْتُمْ تُشْرِکُونَ. مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا (کذبا و زورا) ضَ لُّوا عَنَّا (أي نجهلهم و لا نعرف منهم شیئا ثم بدا لهم ان
انظر إلی هذه الوقاحۀ تجاه ربّ .«4» ینکروا عبادتهم للأصنام رأسا انکارا صریحا و من ثم قالوا) بَلْ لَمْ نَکُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَیْئاً
العالمین الذي لا تخفی علیه خافیۀ فی السماوات و الأرض!!.
صفحۀ 212 من 268
المراد ان طلبنا للّذات المحرمۀ و حرصنا علی العمل القبیح ساقنا إلی هذه الشقاوة، فأطلق اسم المسبب علی السبب. و » : و قال الجبائی
. لیس هذا باعتذار ( 1) المجادلۀ: 18
.75 - ج 15 ص 74 « المیزان » 2) تفسیر )
. 3) المؤمنون: 108 )
.74 - 4) غافر: 73 )
ص: 366
.« منهم، لعلمهم بان لا عذر لهم فیه، و لکنه اعتراف بقیام حجۀ اللّه علیهم فی سوء صنیعهم
فی الآیۀ دلالۀ علی انه لا عذر لهم إلّا الاعتراف (بالتقصیر). فلو کان کفرهم من خلقه تعالی و بارادته، و علموا ذلک، » : و قال القاضی
.« لکانوا بأن یذکروا ذلک أجدر، و إلی العذر أقرب
و قد رد علیهما الفخر الرازي- علی مذهبه الأشعري الجبري- بان طلبهم للذات ان کان باختیارهم فذلک الاختیار محدث، و کل
محدث مفتقر إلی علۀ خارجۀ عن ذاته، و لیست سوي إرادة اللّه القدیمۀ. ثمّ أخذ فی الاستدلال علی احتیاج المحدثات إلی علل و
هی تتسلسل إلی ذاته المقدسۀ، حسب منهجه الخاص فی ارجاع علل الموجودات حتی الأفعال الاختیاریۀ إلی ارادته تعالی الازلیۀ.
و قد أبطل أهل العدل هکذا استدلالات هی اشبه بسفاسف سوفسطائیۀ، و ان أفعال العباد الاختیاریۀ واقعۀ تحت اختیارهم بالذات، متی
و غیرها من مسائل مرتبطۀ. « الأمر بین الأمرین » ما شاءوا فعلوا، و متی لم یشاءوا ترکوا، حسبما اسلفنا فی مسألۀ
اخسئوا فیها و » : و أمّا الذي قاله الفخر فی تفسیر الآیۀ فهو: ان المناظرة مع اللّه تعالی غیر جائزة بل لا یسأل عما یفعل، فلا جرم قال لهم
.«1» « لا تکلمون
قلت: و لعله فی هذه المحاولۀ رجح الحجۀ مع العصاة، و جعل من مقام قدسه تعالی حکومۀ ظالمۀ غیر مسئولۀ و لا متقیدة بنظام العقل
و الحکمۀ. تعالی اللّه العدل الحکیم عن ذلک علوا کبیرا.
.125 - هذا ( 1) انظر: التفسیر الکبیر: ج 23 ص 124 .«2» -3 فَإِمَّا یَأْتِیَنَّکُمْ مِنِّی هُديً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا یَضِلُّ وَ لا یَشْقی
. 2) طه: 123 )
ص: 367
هو الشقاء المعنوي، و من ثم فسروه بالشقاء الاخروي. و الآیۀ دلیل علی انه أثر الضلال عن هداه تعالی و الاعراض عن آیاته البینۀ. و
لیس أمرا مفروضا محتما علی الأشقیاء.
و لکنها فی هذه الآیۀ ( 123 ) جاءت بمعنی الشقاء ،« التعب و العناء » قبل الآیۀ برقم 117 بمعنی الشقاء الظاهري « تشقی » و جاءت کلمۀ
و هذا من التقابل- اثباتا و نفیا- فی کلمۀ واحدة بین معنییها المختلفین اعتبارا، و هو من الفن البدیع. « الخباثۀ » المعنوي
هو من الشقاء بمعنی الخبث. .«1» -4 وَ لَمْ یَجْعَلْنِی جَبَّاراً شَقِیا
قال الامام الرازي: و هذا- أیضا- یدل علی قولنا (یعنی کون الشقاء و السعادة من فعله تعالی یضعهما حیث یشاء) لانه لما بین انه جعله
برا و ما جعله جبارا، فهذا انما یحسن لو ان اللّه تعالی جعل غیره جبارا و غیر بار بامه، فان اللّه تعالی لو فعل ذلک بکلّ أحد لم یکن
.«2» لعیسی (علیه السلام) مزید تخصیص بذلک، و معلوم انه (علیه السلام) انما ذکر ذلک فی معرض التخصیص
و قال الامام مالک: ما أشد هذه الآیۀ علی أهل القدر (یعنی المعتزلۀ و سائر أهل العدل المنکرین للجبر) أخبر عیسی (علیه السلام) بما
.«3» « قضی من أمره، و بما هو کائن إلی ان یموت
هکذا زعم أهل الجبر من متفلسفۀ و حشویۀ ان العباد مضطرون فیما یزاولون لا رأي لهم و لا إرادة و لا اختیار. و انما هم مسیرون وفق
ما فرض علیهم و قدر لهم فی الأزل.
صفحۀ 213 من 268
. و أمّا أهل العدل و التنزیه فأجروا الآیۀ الکریمۀ علی سیاق نظائرها من إرادة ( 1) مریم: 32
. 2) التفسیر الکبیر: ج 21 ص 215 )
. 3) تفسیر القرطبی: ج 11 ص 103 )
ص: 368
عنایته تعالی الخاصۀ بخلص اولیاءه الصالحین و مزید ألطافه بشأنهم، لما علم منهم الصلاح و الثبات و الاستقامۀ، فأیدهم و وفقهم و
جعلهم للمتقین إماما.
و المعنی: انی بلطفه تعالی و توفیقه کنت محسنا إلی والدتی، متواضعا فی نفسی، حتی لم » :- قال الشیخ أبو علی الطبرسی- رحمه اللّه
.«1» « أکن من الجبابرة الأشقیاء
و الدلیل علی صحۀ هذا المعنی هو سیاق الآیۀ و انسجامها مع آیات قبلها و بعدها، قال تعالی حکایۀ عن عیسی (علیه السلام): قالَ إِنِّی
عَبْدُ اللَّهِ آتانِیَ الْکِتابَ وَ جَعَلَنِی نَبِیا. وَ جَعَلَنِی مُبارَکاً أَیْنَ ما کُنْتُ وَ أَوْصانِی بِالصَّلاةِ وَ الزَّکاةِ ما دُمْتُ حَیا. وَ بَ  را بِوالِدَتِی وَ لَمْ یَجْعَلْنِی
.«2» جَبَّاراً شَقِیا. وَ السَّلامُ عَلَیَّ یَوْمَ وُلِدْتُ وَ یَوْمَ أَمُوتُ وَ یَوْمَ أُبْعَثُ حَیا
انه تعالی اختارنی نبیا. و لیس اختیاره تعالی أحدا لمقام رسالته إلّا إذا وجده صالحا لذلک، أمینا :« آتانی الکتاب و جعلنی نبیا » فمعنی
صادقا وفیا.
و لیس تحمیلا فی غیر محل قابل و لا اعتباطا من غیر حکمۀ و ملاك.
أي زاد فی عنایته تعالی بشأنی، حیث النبیّ هو المعلم النفاع، فأینما یتوجه فان بشائر الخیر و البرکات تتقدمه. « جعلنی مبارکا » و هکذا
أي أمرنی بهما أمر تکلیف. « أوصانی بالصلاة و الزکاة » و
أي جعلنی برا بها، و معنی جعلنی برا، وفقنی للقیام بخدمتها حیث وجدنی راغبا فی اداء شکرها الواجب، فحیث انه « برا بوالدتی » و
راجع .« انا أولی بحسناتک منک » تعالی مهد له سبیل هذه المکرمۀ لما وجده محلا قابلا لها، نسبه إلی اللّه، حسبما مرّ فی الحدیث
.«3» شرحنا لهذه الفقرة
و کذلک قوله: وَ لَمْ یَجْعَلْنِی جَبَّاراً شَ قِیا أي لم یخذلنی و لم یمنعنی ألطافه الکریمۀ، کی انخرط مع الجبابرة الأشقیاء، بل منحنی
. عنایاته و المزید من توفیقه ( 1) مجمع البیان: ج 6 ص 513
.33 - 2) مریم: 30 )
. 3) صفحۀ: 181 )
ص: 369
حیث وجدنی جادا فی طلب السعادة، فساعدنی برحمته، وفق وعده الحتم وَ الَّذِینَ جاهَدُوا فِینا لَنَهْدِیَنَّهُمْ سُبُلَنا.
انه تعالی علم منی الرغبۀ فی التخضع و البلوغ الی عزّ السعادة، فساعدنی علی ذلک و :« لم یجعلنی جبارا شقیا » و الخلاصۀ، ان معنی
زاد فی توفیقه حتی بلغتها بعنایته تعالی.
و الجعل و ان کان بمعنی التکوین، لکن حیث کانت أصل الهدایۀ إلی طرق السعادة، و کذا المعونۀ علی الوصول إلیها، حاصلۀ بفعله
تعالی الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما کُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ صحت نسبۀ تکوین شخصیۀ الانسان المهتدیۀ السعیدة إلی اللّه عزّ
شأنه. فکأن شخصیته الخاصۀ متکونۀ بفعله تعالی، حیث جمیع اسباب تکوینها و الاهتداء إلی طرق تکوینها، کانت ممهدة من جانبه
تعالی، الأمر الذي لا یستعدي جبرا و لا اکراها علی هدایۀ أو ضلال.
هذا أحد التأویلین فی الآیۀ الکریمۀ.
أي لم یحکم علی « و لم یجعلنی جبارا » : و هناك تأویل آخر أشار الیه شیخ الطائفۀ أبو جعفر الطوسی- قدّس سره الشریف- قال
صفحۀ 214 من 268
.«1» بالتجبر و الشقاء
و هذا کقولهم: جعله سارقا أي حکم علیه بأنّه سارق، بمعنی انه علم منه ذلک أو ثبت لدیه انه سارق و من ثمّ ابدي رأیه بشأنه لیکون
معنی الآیۀ علی هذا التأویل: انه تعالی لما علم منه الخیر و الصلاح فی الآجل، حکم علیه انه من السعداء الاتقیاء. أي ابدي علمه بشأنه.
من غیر أن یکون لارادة العبد و اختیاره الخاص مدخل فی «2» و أخیرا فلو کانت السعادة و الشقاء من فعله تعالی المباشري أو التسبیبی
تحصیلهما و اکتسابهما لم یکن موضع لمدح السعید علی سعادته، و لا مجال لتوجیه اللائمۀ إلی الأشقیاء.
. فی حین ان جمیع ما قاله عیسی (علیه السلام) بهذا الصدد، کله تحدّ و فخار، فی ( 1) تفسیر البیان: ج 7 ص 111
2) حسبما قاله الفخر فی آخر کلامه المتقدم. )
ص: 370
جوّ یتلائم و تمدح النفس بلا شائبۀ اعجاب، الأمر الذي لا یخفی علی النبیه الخبیر.
أي خائبا محروما. .«1» -5 وَ أَدْعُوا رَبِّی عَسی أَلَّا أَکُونَ بِدُعاءِ رَبِّی شَقِیا
کذلک. «2» -6 وَ لَمْ أَکُنْ بِدُعائِکَ رَبِّ شَقِیا
أي أخبثها. «3» -7 إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها
أي إلّا الخبیث المحروم، الممنوع من فیض رحمته تعالی، بسبب خطیئاته المتراکمۀ المحیطۀ به من کلّ .«4» -8 لا یَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَی
جانب.
ضمیر التأنیث یعود علی الذکري، فالذي یعرض عنها هو الخبیث .«5» -9 و هکذا قوله: وَ یَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَی الَّذِي یَصْ لَی النَّارَ الْکُبْري
الشقی و التعیس المحروم.
أي سعید منعم بلذائذ الحیاة مرفه علیه حسبما کان بنو إسرائیل یرونه بشأن قارون. .«6» -10 إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِیمٍ
أي سعید منعم بکمال النفس ذو عقل وفیر و ادراك انسانی نبیل. .«7» -11 وَ ما یُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِیمٍ
أي نصیبا و هو حکایۀ عن واقعیۀ سوداء مرة. «8» -12 یُرِیدُ اللَّهُ أَلَّا یَجْعَلَ لَهُمْ حَ  ظا فِی الْآخِرَةِ
أي الیهود اغفلوا نصیبا جزیلا کان یعود علیهم إذا ما هم لبّوا دعوة الحق. «9» -13 وَ نَسُوا حَ  ظا مِمَّا ذُکِّرُوا بِهِ
. بشأن النصاري لم یستسلموا لقیادة الحق. ( 1) مریم: 48 «10» -14 و هکذا قوله: فَنَسُوا حَ  ظا مِمَّا ذُکِّرُوا بِهِ
. 2) مریم: 4 )
. 3) الشمس: 12 )
. 4) اللیل: 15 )
.12 - 5) الاعلی: 11 )
. 6) القصص: 79 )
. 7) فصلت: 35 )
. 8) آل عمران: 176 )
. 9) المائدة: 13 )
. 10 ) المائدة: 14 )
ص: 371
مسألۀ التمحیص و الاختبار:
صفحۀ 215 من 268
فی القرآن کثیر من آیات انذرت بتمحیص هذه الامّۀ و اختبارها شأن سائر الامم السالفۀ. و فی ذلک فائدتان کبیرتان:- الاولی: ان
البلایا و المحن تعمل فی تکوین الانسان ثبات عزیمته و استقامۀ رأیه فلا یتزعزع تجاه الحوادث و الکوارث، مقداما صبورا، قوي
الارادة، حازما وقورا، و اللّه تعالی یرید من هذه الامۀ امۀ متربیۀ و مترقیۀ کاملۀ ذات قدرة جبارة لبسط العدل فی ارجاء العالم المعمور
امۀ متربیۀ تحت تربیۀ الرسول و تعلیمه .«1» وَ کَ ذلِکَ جَعَلْناکُمْ أُمَّۀً وَسَطاً لِتَکُونُوا شُهَداءَ عَلَی النَّاسِ وَ یَکُونَ الرَّسُولُ عَلَیْکُمْ شَ هِیداً
المباشر، لتصبح هی مربیۀ لسائر الامم و معلمۀ للاجیال، مکارم اخلاق الانسانیۀ العلیا و آدابها المثلی.
الثانیۀ: ابداء ما فی الناس من قابلیات و طاقات و استعدادات متفاوتۀ، و مدي ما یبذله أنواع الطوائف و الآحاد فی تجسید ما فی
أي لیمتاز أحدهما عن الآخر. «2» کمونهم من قوي و صلاحیّات لِیَمِیزَ اللَّهُ الْخَبِیثَ مِنَ الطَّیِّبِ
و ذلک تمهیدا للفوز علی مختلف درجات الآخرة، فلا یستوي الأفراد فی البلوغ إلی مدارج الکمال و القرب من رضوانه تعالی. فلو
کان اللّه یثیب الناس علی حسب استعداداتهم المتفاوتۀ من قریب و أقرب أو بعید و أبعد، وفق ما یعلمه من اختلاف قابلیاتهم فی
. التقرب و الابتعاد، لکانت صرخات ( 1) البقرة: 143
. 2) الانفال: 37 )
ص: 372
الاعتراض تعلو: لما ذا هذا الافتراق و التفاوت فی العنایۀ و الألطاف؟! إذن کان من الحکمۀ ان یعمّ امتحان شامل لِیَهْلِکَ مَنْ هَلَکَ عَنْ
.«2» لیتجلّی للناس ما هم علیه من تفاوت و اختلاف. لِئَلَّا یَکُونَ لِلنَّاسِ عَلَی اللَّهِ حُجَّۀٌ .«1» بَیِّنَۀٍ وَ یَحْیی مَنْ حَیَّ عَنْ بَیِّنَۀٍ
أي حتّی یظهر للناس أنفسهم امتیاز «3» -1 قال تعالی: ما کانَ اللَّهُ لِیَذَرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلی ما أَنْتُمْ عَلَیْهِ حَ تَّی یَمِیزَ الْخَ بِیثَ مِنَ الطَّیِّبِ
أحدهما عن الآخر.
-2 و قال: إِنْ یَمْسَسْکُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَ تِلْکَ الْأَیَّامُ نُداوِلُها بَیْنَ النَّاسِ (أي بالاقبال و الادبار) وَ لِیَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ
یَتَّخِ ذَ مِنْکُمْ شُهَداءَ وَ اللَّهُ لا یُحِبُّ الظَّالِمِینَ. وَ لِیُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ یَمْحَقَ الْکافِرِینَ. أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّۀَ وَ لَمَّا یَعْلَمِ اللَّهُ
.«4» الَّذِینَ جاهَدُوا مِنْکُمْ وَ یَعْلَمَ الصَّابِرِینَ
فی المواضع الثلاثۀ- أي لیبدو للناس و یتجلّی علمه الأزلی بشأن مختلف الطبقات. -« یعلم » : قوله
أي لیمتحنکم و یبدي ما فی سرائرکم، لا لیعلم هو، بل لتعلموا أنتم أیّها «5» -3 وَ لِیَبْتَلِیَ اللَّهُ ما فِی صُدُورِکُمْ وَ لِیُمَحِّصَ ما فِی قُلُوبِکُمْ
الناس. و من ثمّ ختمت الآیۀ بقوله: وَ اللَّهُ عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ. أي لیس هذا الابتلاء و التمحیص لأجل أن یعرفکم- بالتخفیف- بل
لیعرّفکم- بالتشدید-.
-4 لَتُبْلَوُنَّ فِی أَمْوالِکُمْ وَ أَنْفُسِکُمْ، وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ مِنْ قَبْلِکُمْ وَ مِنَ الَّذِینَ أَشْرَکُوا أَذيً کَثِیراً وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا
. هذه الآیۀ الکریمۀ تشیر إشارة تامۀ الی الفائدة الاولی التی نبهنا ( 1) الانفال: 42 .«6» فَإِنَّ ذلِکَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ
. 2) النساء: 165 )
. 3) آل عمران: 179 )
.142 - 4) آل عمران: 140 )
. 5) آل عمران: 154 )
. 6) آل عمران: 186 )
ص: 373
علیها. حیث الابتلاء یوطّد من أرکان عزم الانسان و ثباته فی الامور.
أي لتبدو استعداداتکم و مدي .«1» -5 وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَکُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ، وَ رَفَعَ بَعْ َ ض کُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِیَبْلُوَکُمْ فِی ما آتاکُمْ
صفحۀ 216 من 268
صلاحیاتکم تجاه متقلبات الامور و الاحوال.
أي ظنّ بنو إسرائیل ان لا یصیبهم بلاء و ابتلاء فتاهت نفوسهم و اضطربوا عند الامتحان. .«2» -6 وَ حَسِبُوا أَلَّا تَکُونَ فِتْنَۀٌ فَعَمُوا وَ صَمُّوا
حیث الابتلاء بالمحن و الآلام یعمّ الجمیع. .«3» -7 وَ اتَّقُوا- (أي خذوا حذرکم)- فِتْنَۀً لا تُصِیبَنَّ الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْکُمْ خَاصَّۀً
أي بلاء و اختبار لمقدار قابلیتکم فی القیام بوظیفتهما و أداء حقهما الواجب. .«4» -8 وَ اعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُکُمْ وَ أَوْلادُکُمْ فِتْنَۀٌ
.«5» -9 أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَکُوا وَ لَمَّا یَعْلَمِ اللَّهُ (أي یبدو علمه القدیم بشأنکم) الَّذِینَ جاهَدُوا مِنْکُمْ
حیث تواصل الاختبار بتلاحق الفتن و البلایا، لطفا مستمرا بالمؤمنین، و .«6» -10 أَ وَ لا یَرَوْنَ أَنَّهُمْ یُفْتَنُونَ فِی کُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَیْنِ
سخطا علی الکافرین.
أي أشدّ ثباتا و أصوب اتجاها. «7» -11 لِیَبْلُوَکُمْ أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا
.«8» -12 لِنَبْلُوَهُمْ أَیُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا
أي اختبرناك اختبارات فی مواقف عدیدة، توطیدا لثبات شخصیتک، و تمهیدا لاستعدادك لمقام النبوة. .«9» -13 وَ فَتَنَّاكَ فُتُوناً
. حیث اضلال ( 1) الانعام: 165 .«10» -14 فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَکَ مِنْ بَعْدِكَ وَ أَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ
. 2) المائدة: 71 )
. 3) الانفال: 25 )
. 4) الانفال: 28 )
. 5) التوبۀ: 16 )
. 6) التوبۀ: 126 )
. 7) هود: 7 )
. 8) الکهف: 7 )
. 9) طه: 40 )
. 10 ) طه: 85 )
ص: 374
السامري بذاته کانت فتنۀ و ابتلاء زلّت فیها أقدام بنی اسرائیل.
أي بالجدب و الرخص أو بالبلایا و النعم. حتی یبدو مبلغ استعداداتکم و طاقاتکم تجاه مختلف .«1» -15 وَ نَبْلُوکُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَیْرِ فِتْنَۀً
الأحوال.
أي الأحداث المضلّۀ بعد وفاة الرسول اختبار لمبلغ ثبات المؤمنین به .«2» -16 لِیَجْعَلَ ما یُلْقِی الشَّیْطانُ فِتْنَۀً لِلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
علی الایمان غیر أنّ غالبیتهم ابدوا ما کانت نفوسهم المنحرفۀ منطویۀ علیه من الأضغان و الأحقاد علی هذا الدین. أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ
.«3» انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِکُمْ
أي کانت البلایا التی تصیب بعضکم من بعض، امتحانا لکم لیبدو .«4» -17 وَ جَعَلْنا بَعْضَکُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَۀً أَ تَصْبِرُونَ وَ کانَ رَبُّکَ بَصِیراً
لکم بالذات مبلغ ثباتکم و صبرکم علی الایمان. أمّا اللّه تعالی فهو غنیّ عن اختبارکم، لانه بصیر بکم و علیم بذات الصدور.
أي وقعتم فی البلاء و الابتلاء. و لو لا أن تتدارککم رحمته تعالی لهلکتم عن آخرکم. .«5» -18 بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ
-19 أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا- (بلا ابتلاء و اختبار)- أَنْ یَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا یُفْتَنُونَ، وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَیَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِینَ
أي حتی یمتاز الصادق عن الکاذب، و تتمّ الحجّۀ علی الکاذبین. «6» صَدَقُوا وَ لَیَعْلَمَنَّ الْکاذِبِینَ
فتبین المخلصون الثابتون علی الایمان عن الکاذبین «7» -20 هُنالِکَ- (فی وقعۀ الأحزاب)- ابْتُلِیَ الْمُؤْمِنُونَ وَ زُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِیداً
صفحۀ 217 من 268
المنافقین.
کانت قصۀ الذبح اختبارا عظیما لابراهیم (علیه السلام) تبینت- خلالها- شخصیّته الفذّة الکبیرة .«8» -21 إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِینُ
. بوضوح: ( 1) الانبیاء: 35
. 2) الحج: 53 )
. 3) آل عمران: 144 )
. 4) الفرقان: 20 )
. 5) النمل: 47 )
.3 - 6) العنکبوت: 2 )
. 7) الاحزاب: 11 )
. 8) الصافات: 106 )
ص: 375
أي بهذا الابتلاء نبهناه علی ما فرط منه مما لا ینبغی من مثله، لطفا .«1» -22 وَ لَقَدْ فَتَنَّا سُلَیْمانَ وَ أَلْقَیْنا عَلی کُرْسِیِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ
بشأنه من عبد مخلص منیب.
حیث وفرة .«2» -23 فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُ رٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَۀً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِیتُهُ عَلی عِلْمٍ بَلْ هِیَ فِتْنَۀٌ، وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ
النعم قد تکون ابتلاء لمبلغ قیامه بأداء الشکر الواجب.
أي حتی یظهر علمنا السابق فیکم فیبدو لکم بالذات. .«3» -24 وَ لَنَبْلُوَنَّکُمْ حَتَّی نَعْلَمَ الْمُجاهِدِینَ مِنْکُمْ وَ الصَّابِرِینَ وَ نَبْلُوَا أَخْبارَکُمْ
أي نختبر مبلغ صدقکم فیما یؤثر عنکم من ادعاءات و تبجّحات، حتی یتبین لکم بالذات مدي صحتها و وفقها « و نبلو أخبارکم » : قوله
مع الحقیقۀ.
. 1) ص: 34 ) . تقدّم نظیرها برقم 11 «4» -25 لِیَبْلُوَکُمْ أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا
. 2) الزمر: 49 )
. 3) محمّد: 31 )
. 4) الملک: 2 )
ص: 376
مسألۀ الحبط و التکفیر:
محق حسنۀ بسیئۀ لا حقۀ اطلاقا، سواء أ کانتا متساویتین أم فضلت احداهما علی الاخري، و سواء أ کانت الفاضلۀ هی «1» : الاحباط
الحسنۀ، أم هی السیئۀ المتأخرة، حتی و إنّ سیئۀ واحدة لا حقۀ لتبطل بها حسنات جسام.
.«3» عکس الاحباط-: إِنَّ الْحَسَناتِ یُذْهِبْنَ السَّیِّئاتِ -«2» التکفیر
أن یسقط الأقل بالأکثر حجما و قدرا، لیبقی مقدار الفضل بینهما یثاب علیه أو یعاقب محضا. «4» : الموازنۀ
و هی من المسائل- الکثیرة- التی اختلفنا فیها نحن- الامامیۀ- مع أصحاب الاعتزال، حیث أخذوا فی اتجاه معاکس لمقتضی العدل و
الحکمۀ فی أفعاله تعالی، کما نقضوا مذهبهم فی کون المجازاة استحقاقا، و ما إلی ذلک من توال فاسدة حسبما نشیر. ( 1) مأخوذ من
حتی انتفخ بطنه و افسد علیه الأکل. « الحندقوق » بفتحتین- و هو الفساد و الهلاك. و أصله من حبط البعیر، اذا اکثر من أکل -« الحبط »
بالضم-. و استعمل فی کلّ ما فسد و ذهب أثره باطلا، یقال: حبط دم القتیل اذا هدر. أو حبط عمله اذا -« الحباط » و اسم هذا الداء
صفحۀ 218 من 268
ذهب سدي.
و حبط ماء البئر اذا غار فلم یعد.
بالفتح- و هو الستر و التغطیۀ، یقال: کفر درعه بثوبه، اذا لبسه فوقها و غطاها به. و منه اطلق اسم الکفر- -« الکفر » 2) ماخوذ من )
بالضم- علی ضد الایمان، لان الکافر قد غطی فطرته بالانکار.
. 3) هود: 114 )
4) بمعنی المقایسۀ، فیقاس احدهما بالآخر لیعرف الاثقل من الاخف. )
ص: 377
و قبل أن ننتقل إلی صلب البحث لا بدّ أن نتعرف- اجمالیا- إلی مسائل هی ذات صلۀ بالموضوع:- الاولی: هل الجزاء علی العمل
استحقاق أم مواضعۀ، أي مجرّد مواعدة (وعد بثواب و وعید بعقاب)؟
الصحیح هو الأوّل، فی صورة ما إذا کان العمل صادرا عن طلب من المولی حتی و لو کان متف ّ ض لا علی عبیده بالنعم الجسام، لأنّ
ذلک تفضّل محض، و لا شیء یوازي التفضل، خصوصا إذا کان فی التکلیف مشقۀ، فانه لیس للمتفضّل أن یکلّف المتفضّل علیه بما
یوقعه فی مشقّۀ کثیرة بحجّۀ أنّه منعم علیه، لو لا الالتزام علی نفسه بمقابلۀ الأجر و الثواب.
هذا و لا سیما إذا قلنا بأنّ المثوبات لیست سوي تجسّ دات ذاتیۀ لنفس الأعمال تتجسد إلی درجات و درکات، و الأعمال هی-
.«1» بدورها- انعکاسات نفسیۀ طیبۀ أو خبیثۀ تتمرن بالعمل، و ان کانت ذات مرونۀ و قابلۀ للانعطاف و التبدیل، بالتربیۀ و التدریب
و علیه فالمحسن الممتثل لأوامر مولاه، انما یستحقّ أجرا لذاته، و لم یکن الوعد بالثواب سوي تأکید، و تعیین لمقداره لا لأصله.
و هکذا المسیء یستحق عقوبۀ لذاته و لیس لمجرد الوعید، و لعل استحقاق المسیء إجماعی، حیث تمرده و کفرانه نعم المولی معا.
الثانیۀ: هل المثوبۀ و العقوبۀ تقتضیان الدوام و الأبدیۀ؟ فلا مثوبۀ إلّا و هی دائمۀ و لا عقوبۀ الا و هی خالدة؟! قالت المعتزلۀ: نعم! و من
ثمّ جعلوا من الفاسق خالدا فی النار.
و دلیلهم علی ذلک هو: قیاس المثوبۀ و العقوبۀ بالمدح و الذم، فکما أنّهما ( 1) و سوف نتکلم عن مسألۀ العقوبۀ فی مجال التفسیر ان
شاء اللّه.
ص: 378
دائمیان، کذلک لازمهما من الثواب و العقاب. قالوا: و لأنه اذا انقطع عقاب العاصی و دخل الجنۀ کان ذلک تف ّ ض لا علیه، و لا تفضّل
.«1» علی المکلفین، و انما هو خاص بالأطفال و المجانین
و بهذه الطریقۀ حاولوا اثبات الاحباط، لئلا یعود المعاقب علی معصیته مثابا علی طاعته، فینتقض دوام العقاب بشأنه، کما یکون ثوابه
.«2» المتأخر تفضلا فیما زعموه. و هذان مما یتحاشونهما البتۀ
أمّا العصاة من المؤمنین الذین احتفظوا بایمانهم حتی الممات فمرجون لأمر اللّه، إمّا یعذّبهم ،«3» قلنا: لا خلود فی النار إلّا للکفار
.«4» حسب استحقاقهم، عذابا یتناسب مع نوعیۀ العصیان الذي ارتکبوه، و أمّا یتوب علیهم و اللّه علیم حکیم
قال تعالی- بشأن العصاة من المؤمنین-: وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَیِّئاً، عَسَ ی اللَّهُ أَنْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ إِنَّ اللَّهَ
.«5» غَفُورٌ رَحِیمٌ
اعترافا منبعثا عن ایمانهم باللّه، حیث المؤمن هو الذي یري من أعماله السیئۀ عصیانا له تعالی، فهو دلیل علی « اعترفوا بذنوبهم » : قوله
احتفاظهم باصول الایمان، و ان کانوا قد ارتکبوا ما ارتکبوا من قبائح. الأمر الذي وفر علیهم من شرائط الغفران.
و أمّا قیاس الثواب و العقاب بالمدح و الذم، ففی أصل الاستحقاق لا شکّ فیه. فمن استحقّ مدحا علی عمل استحقّ ثوابا علیه، و کذا
الذم و العقاب. أمّا قیاس دوام أحدهما علی دوام الآخر فلا موضع له، بعد أن کانت مرحلۀ ( 1) راجع: شرح الاصول الخمسۀ للقاضی
صفحۀ 219 من 268
.667 - عبد الجبار: ص 666
. 2) انظر نفس المصدر: ص 624 )
3) قال تعالی: وَ الَّذِینَ کَفَرُوا بِآیاتِ اللَّهِ وَ لِقائِهِ أُولئِکَ یَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِی وَ أُولئِکَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ- العنکبوت: 23 و نحن قد بحثنا )
عن جوانب مسألۀ الخلود فی مجال التفسیر.
4) مقتبس من الآیۀ الکریمۀ 106 من سورة براءة. )
. 5) التوبۀ: 102 )
ص: 379
الاستحقاق بمعزل عن مرحلۀ الفعلیۀ و الوقوع. لان معنی دوام الاستحقاق، هو جواز مذمّۀ العاصی فی أيّ وقت من الأوقات، و لا
یختص ذلک بالآن المباشر لظرف عصیانه. الأمر الذي لا یعنی الاستدامۀ فی مذمته لیل نهار علی مرّ الدهور.
و هکذا العقاب، یستحقّه العاصی فی أي وقت من الأوقات، فمتی ما أراد المولی عقابه صحّ ذلک منه. و هذا لا یعنی جواز الادامۀ من
عقابه علی مرّ الزمان مع الأبدیۀ. لان ذلک عقاب فوق استحقاقه و ظلم یتحاشاه عدله تعالی و حکمته المطلقۀ.
أمّا اختصاص تف ّ ض له تعالی بالصغار الق ّ ص ر فلم نعرف له وجها، و لا هم أقاموا علی اثباته برهانا. فضلا عن مخالفته الصریحۀ لنص
.«3» و قد وعد بغفران الذنوب جمیعا «2» و رحمته واسعۀ «1» الکتاب و السنۀ المتواترة، فان فضله تعالی عظیم
الثالثۀ: هل المغفرة خاصۀ بالتائبین أم هی عامّۀ؟
زعمت المعتزلۀ اختصاصها بمن یموت عن توبۀ و ندم و استغفار.
لکن فی نصوص الکتاب و السنۀ صراحۀ فی عمومها لمن مات عن ایمان فان کان تائبا فیموت مغفورا له کمن لا ذنب له، و غیره
یموت مرجوا لأمره تعالی أمّا یعذبه علی قدر استحقاقه ثمّ یغفر له، أو یتفضل علیه بالغفران من أوّل مرّة بلا تعذیب. و ان فی کثیر من
العبادات الواجبۀ، و الاعمال الصالحۀ، لمطهرة للذنوب حتی الکبار، فضلا عن الصغائر، فانها مغفورة بذاتها علی شرط اجتناب ( 1) یا
. أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ یَجْعَلْ لَکُمْ فُرْقاناً وَ یُکَفِّرْ عَنْکُمْ سَیِّئاتِکُمْ وَ یَغْفِرْ لَکُمْ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِیمِ- الانفال: 29
. 2) قالَ عَذابِی أُصِیبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَ رَحْمَتِی وَسِعَتْ کُلَّ شَیْءٍ- الاعراف: 156 )
. 3) قُلْ یا عِبادِيَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا عَلی أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَۀِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِیعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ- الزمر: 53 )
ص: 380
.«1» الکبائر
قال تعالی: وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَیِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّیْلِ، إِنَّ الْحَسَ ناتِ یُذْهِبْنَ السَّیِّئاتِ ذلِکَ ذِکْري لِلذَّاکِرِینَ. وَ اصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا یُضِ یعُ
.«2» أَجْرَ الْمُحْسِنِینَ
و قد شبه رسول اللّه (صلّی اللّه علیه و آله و سلّم) الصلوات الخمس بنهر علی باب الدار یغتسل فیه صاحبها کلّ یوم خمس مرّات،
.«؟ أ کان یبقی فی جسده من الدرن شیء » : فقال
.«3» « و هکذا مثل الصلاة مثل النهر الجاري کلما صلی صلاة کفرت ما بینهما من الذنوب » :( قال الامام أبو جعفر الباقر (علیه السلام
إذا أتی العبد بسیئۀ، قال الملک الموکل بحسناته لصاحب السیئات: لا تعجل، عسی ان یتبعها بحسنۀ » :( و قال (صلّی اللّه علیه و آله
.«4» « تمحوها. فان اللّه عزّ و جلّ یقول: إنّ الحسنات یذهبن السیئات
إِنَّ «5» و قال تعالی: لِیَجْزِيَ الَّذِینَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ یَجْزِيَ الَّذِینَ أَحْسَ نُوا بِالْحُسْنَی. الَّذِینَ یَجْتَنِبُونَ کَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ
.«6» رَبَّکَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ
.«7» و قال: إِنْ تَجْتَنِبُوا کَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُکَفِّرْ عَنْکُمْ سَیِّئاتِکُمْ وَ نُدْخِلْکُمْ مُدْخَلًا کَرِیماً
صفحۀ 220 من 268
بشأن «8» و الآیات و الروایات المطلقۀ فی هذا الباب کثیرة جدا کثرة تتناسب مع سعۀ رحمته تعالی الشاملۀ. و قد تواترت الروایات
المستخلصین من النار الفائزین برحمته تعالی، جزاء علی ثبات ایمانهم. حیث الایمان من اکبر ( 1) راجع: بحار الانوار: ج 8 ص 351
باب 27 من کتاب العدل و المعاد.
.115 - 2) هود: 114 )
3) انظر: وسائل الشیعۀ: ج 3 ص 7 باب 2 من أبواب اعداد الفرائض. )
. 4) البرهان فی تفسیر القرآن للبحرانی: ج 2 ص 236 حدیث 3 )
5) اللمم: صغار الذنوب. )
.32 - 6) النجم: 31 )
. 7) النساء: 31 )
.363 - 8) راجع: بحار الانوار: ج 8 ص 355 حدیث 8. و ص 360 )
ص: 381
.«1» الطاعات و اللّه لا یضیع أجر من أحسن عملا. وَ ما کانَ اللَّهُ لِیُضِیعَ إِیمانَکُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِیمٌ
و عذاب صاحب الکبیرة ینقطع، لاستحقاقه الثواب بایمانه، و » : قال المحقق نصیر الدین الطوسی- قدس سره- فی تجرید الاعتقاد
الحق ان عقاب أصحاب الکبائر منقطع، و الدلیل علیه » : قال العلامۀ ابن المطهر الحلّی- رحمه اللّه- فی شرحه .« لقبحه عند العقلاء
وجهان: (الأوّل): انه یستحق الثواب الدائم علی ایمانه، لقوله تعالی: فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَیْراً یَرَهُ. و الایمان اعظم أفعال الخیر. فإذا
استحق العقاب بالمعصیۀ فامّا ان یقدم الثواب علی العقاب، و هو باطل بالاجماع لان الثواب المستحق بالایمان دائم. أو یقدم العقاب
علی الثواب- و هو المطلوب- أو یجمع بینهما- و هو محال- (الثانی): یلزم فی من عبد اللّه تعالی مدة عمره ثمّ یعصی بمعصیۀ مع بقاء
.«2» « ایمانه ان یبقی مخلدا فی النار کمن اشرك باللّه مدة عمره، و ذلک محال لقبحه عند العقلاء
الرابعۀ: هل المراد بالاحباط تأثیر العمل اللاحق فی بطلان العمل السابق بمعنی انقلابه فاسدا من الأول، بعد ان کان قد وقع صحیحا؟
أم المراد ابطال أثره فی المستقبل من مثوبۀ و غیرها من آثار کانت مترتبۀ علیه لو لا الاحباط؟
لا شکّ ان المفروض الأوّل باطل، إذ لا تأثیر للمتأخر فی المتقدم وجودا إلّا إذا کان بمعنی بطلان المتقدم واقعا، لما فی علم اللّه: ان
شرطه المتأخر (و هو عدم وجود العمل اللاحق) لا یتحقق فی ظرفه. الأمر الذي لیس من الانقلاب الحقیقی، و انما هو انکشاف للواقعیۀ
التی کانت معلومۀ عند اللّه و خافیۀ علینا.
. مثلا إذا کانت الموافاة علی الایمان شرطا فی صحۀ الاعمال، فالمرتد الذي ( 1) البقرة: 143
. 2) شرح التجرید، المسألۀ الثامنۀ فی انقطاع عذاب اصحاب الکبائر: ص 233 )
ص: 382
یموت علی الکفر، فاقد لهذا الشرط فی ظرف الواقع، و من ثم فان اعماله جمیعا کانت باطلۀ من یومها الاول، و ینکشف ذلک لنا عند
ما یموت علی الارتداد.
الخامسۀ: هل الفاسق مؤمن أم کافر أم وسط بین الأمرین؟
أثبتت المعتزلۀ للفاسق منزلۀ بین المنزلتین، لا هو باق علی ایمانه و لا هو مرتد إلی الکفر و الجحود. قالوا: صاحب الکبیرة لا یسمی
مؤمنا و لا کافرا، و انما یسمی فاسقا. أمّا الاوّل، فلان مرتکب الکبیرة یستحق الذم و اللعن و الاستخفاف و الاهانۀ، و لا شیء من ذلک
و أمّا الثانی، فلان .«1» یصلح لشأن المؤمن الذي یستحق المدح و التعظیم و الموالاة. و قد سمّوا من خالفهم فی هذا الرأي بالمرجئۀ
الکافر هو من یستحق العقاب العظیم، و یختص بأحکام مخصوصۀ، و له حالۀ جحود لنعم اللّه تعالی علیه، الأمر الذي لا ینطبق علی
صفحۀ 221 من 268
.«2» مرتکب الکبیرة. و خالفهم فی هذا الرأي الخوارج
فأخذوا من .«3» و هی- أیضا- من المسائل التی اختلفنا فیها مع أصحاب الاعتزال، لزعمهم ان من شرط الایمان هو العمل بالأرکان
فروع أحکام الاسلام قیدا فی ثبوت اصوله، و من ثمّ فان المشروط و المقید بشیء ینتفی عند فقد شرطه و قیده. قال القاضی: لأنّ الامۀ
1) راجع: ) .«5» ! من الدین، و إذا ثبت انه من الدین ثبت انه من الایمان، لان الدین و الایمان واحد «4» اتفقت علی ان رکعتی الفجر
.711 - شرح الاصول الخمسۀ لقاضی القضاة: ص 701
. 2) راجع: نفس المصدر: ص 712 )
3) الایمان عند أبی علی و أبی هاشم عبارة عن أداء الطاعات، الفرائض دون النوافل و اجتناب المقبحات. و عند أبی الهذیل عبارة )
عن أداء الطاعات الفرائض منها و النوافل و اجتناب المقبحات.
.708 - و قد اختاره قاضی القضاة. انظر: شرح الاصول الخمسۀ: ص 707
4) یعنی نافلته حسب اختیاره مذهب أبی الهذیل فی کون النوافل من الایمان. )
. 5) نفس المصدر: ص 708 )
ص: 383
قلت: الایمان عندنا عبارة عن التصدیق بالقلب و الاقرار باللسان. أمّا فعل الطاعات و اجتناب المعاصی، فهو من آثار الایمان المترتبۀ
علیه مع الالتفات الیه. و یختلف حسب اختلاف درجۀ الایمان و قوته، کالعقل حسب درجاته فی الکمال یؤثر فی اتزان الانسان فی
أفعاله و اجتناب القبائح. فکما لا یصح ان یقال لکل مرتکب قبیح: انه فاقد للعقل اطلاقا، کذلک لا یصحّ نفی الایمان عن مرتکب
المعصیۀ إذا لم یکن عن جحود.
و من ثمّ فان الفاسق باق علی ایمانه، و هو الذي یدعوه إلی التوبۀ و الاستغفار و لولاه لم یتب و لم یکن یئوب. نعم إذا کان مرتکب
الکبیرة جاحدا لحرمتها بما یرجع إلی انکار قول الرسول و جحد رسالته- العیاذ باللّه- لکان مرتدا عن الایمان و داخلا فی حد الکفر،
و بذلک کان قد قطع حبل اللّه المتین، الذي اعتصم به عباده المؤمنون، فلا آصرة تربطه مع اللّه سوي الرجوع إلی حظیرة الایمان.
أمّا استحقاقه المذمۀ و الاهانۀ علی ارتکاب المعصیۀ، فلا یتنافی مع استحقاقه الاجلال و التعظیم علی ثباته علی الایمان، لانهما جهتان
مترتبتان علی عنوانین لا یمس أحدهما الآخر، فیذم علی جهۀ و یمدح علی اخري، کما یقبح انسان علی قبیحۀ ارتکبها، و یستحسن
فعله الآخر، إذا کانا علی جهتین و بعنوانین لا صلۀ بینهما.
و أمّا التساوي بین الدین و الایمان فلا موضع له، بعد ان کان الدین عبارة عن مجموعۀ قوانین و انظمۀ لتنظیم الحیاة الفردیۀ و
الاجتماعیۀ فی اکمل نظام کافل لسعادة الدارین. فلیس الدین سوي الطریقۀ المستقیمۀ التی شرعها اللّه تعالی، و یجب علی المکلفین
السیر علیها تأمینا لسعادتهم المنشودة.
أمّا الایمان فهو نفس الاعتقاد باللّه وحده لا شریک له، و التصدیق برسوله فیما جاء به من عند اللّه. و غیر خفی ان التصدیق غیر
العمل، و کان الدین هو العمل.
ص: 384
فرضیۀ الاحباط فی خطوات:
و بعد فالصحیح عندنا فی مسألۀ الاحباط و متفرعاتها هو التفصیل التالی:
-1 صریح الکتاب العزیز: ان الموافاة علی الایمان شرط فی قبول الاعمال الصالحۀ، فلا مثوبۀ علی حسنۀ مع الکفر. و لعل الحبط بشأن
الکافر الذي یموت علی الکفر إجماعی وفق نص الکتاب.
صفحۀ 222 من 268
قال تعالی: یَوْمَ یَرَوْنَ الْمَلائِکَ ۀَ لا بُشْري یَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِینَ وَ یَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً. وَ قَدِمْنا إِلی ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً
.«1»
و لعل معترضا یقول: هلّا کان ذلک ظلما و تضییعا لصالح الاعمال و مخالفا لقوله تعالی: فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَیْراً یَرَهُ؟.
قلنا: لا ظلم مع الاشتراط، و یجوز عند العقل ان یکون استیفاء الأجر و المثوبۀ علی الاعمال الحسنۀ، مشروطا بوجود علائق العبودیۀ بین
العبد و مولاه.
و لا یقطعها بالکفر و الارتداد و الخروج ضد مولاه فی طغیان عارم.
و قوله: فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَیْراً یَرَهُ و غیرهما من آیات، فالجواب عنها من .«2» أمّا قوله تعالی: إِنَّا لا نُضِ یعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا
وجهین:
الأوّل: تخصیص عموم هذه الآیات بغیر من یموت علی کفر، فان آیات الاحباط اخص نسبۀ من هذه الآیات، و الخاص یصلح
مخصصا للعام. فیصبح الکافر فقط محروما من الأجر اطلاقا، لا فی هذه الحیاة، و لا فی الآخرة.
غیر ان .« الناس مجزیون بأعمالهم ان خیرا فخیر، و ان شرا فشر » الثانی: ان تبقی عمومات الأجر و الجزاء علی حالها فی التعمیم
.23 - المثوبات الاخرویۀ خاصۀ بالمؤمنین فالکافر کالمؤمن یري خیر عمله الحسن، لکن فی هذه الحیاة فقط. ( 1) الفرقان: 22
. 2) الکهف: 30 )
ص: 385
.«1» تِلْکَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِینَ لا یُرِیدُونَ عُلُ  وا فِی الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَۀُ لِلْمُتَّقِینَ
و هذا الوجه الثانی اوفق بعمومات الأجر و قانون العدل و الانصاف. قال تعالی: وَ رَحْمَتِی وَسِعَتْ کُلَّ شَیْءٍ فَسَأَکْتُبُها لِلَّذِینَ یَتَّقُونَ وَ
فمن رحمته الواسعۀ هو عمومها للکافر و المؤمن مقیدة بهذه الحیاة الدنیا، أمّا فی الآخرة .«2» یُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَ الَّذِینَ هُمْ بِآیاتِنا یُؤْمِنُونَ
فهی خاصۀ بالمؤمنین.
.«3» و قال: تِلْکَ الْجَنَّۀُ الَّتِی نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ کانَ تَقِیا
.«4» و قال: سابِقُوا إِلی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ وَ جَنَّۀٍ عَرْضُها کَعَرْضِ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِینَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ
و الخلاصۀ: الثابت- یقینا- من حبط اعمال الکفار هو اندثارها هباء فی دار اخري لا حظ لهم فیها و لا نصیب.
قال تعالی: اللَّهُ لَطِیفٌ بِعِبادِهِ یَرْزُقُ مَنْ یَشاءُ وَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِیزُ. مَنْ کانَ یُرِیدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِی حَرْثِهِ وَ مَنْ کانَ یُرِیدُ حَرْثَ
.«5» الدُّنْیا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِی الْآخِرَةِ مِنْ نَصِیبٍ
و قال: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِی الدُّنْیا وَ ما لَهُ فِی الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (أي نصیب). وَ مِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِی الدُّنْیا حَسَ نَۀً وَ
.«6» فِی الْآخِرَةِ حَسَنَۀً وَ قِنا عَذابَ النَّارِ. أُولئِکَ لَهُمْ نَصِیبٌ مِمَّا کَسَبُوا وَ اللَّهُ سَرِیعُ الْحِسابِ
و الآیات من هذا القبیل کثیرة، دالۀ علی ان الکافر قد یکون موفرا علیه فی هذه الحیاة، و ربما جزاء علی اعمال حسنۀ یقوم بها، فمن
. یعمل مثقال ذرة خیرا یره، و إنّا لا نضیع أجر من أحسن عملا. فتحقیقا لهذا العموم فی الجزاء، یجازي ( 1) القصص: 83
. 2) الاعراف: 156 )
. 3) مریم: 63 )
. 4) الحدید: 21 )
.20 - 5) الشوري: 19 )
.202 - 6) البقرة: 200 )
ص: 386
صفحۀ 223 من 268
الکافر أیضا علی حسنات یعملها، لکن بالنظر إلی اختصاص مثوبات الحیاة الاخري بالمؤمنین، تختص مثوباته بهذه الحیاة الدنیا.
و هذا یتوافق مع قولنا بالاستحقاق أیضا، کما لا یخفی.
فالنادم علی معصیۀ إذا استغفر اللّه، .«1» « التائب من الذنب کمن لا ذنب له » -2 إنّ السیئۀ مهما بلغت حجما و عددا فانها تسقط بالتوبۀ
و قام بشرائط الانابۀ إلی اللّه و تاب توبۀ نصوحا، غفر اللّه له جمیع ذنوبه، قُلْ یا عِبادِيَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا عَلی أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَۀِ
و هذا اجماع من الامۀ، لصراحۀ الکتاب و تواتر السنۀ القطعیۀ. .«2» اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِیعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ
نعم اختلفوا فی ان التوبۀ بذاتها تسقط العقاب أم لمزیۀ ثوابها علی عقاب المعصیۀ التی ارتکبها؟. کما اختلفوا- أیضا- فی ان سقوط
العقاب بالتوبۀ تفضل أم ذاتی واجب؟
لکن لا تأثیر- عملیا- لأمثال هذه المباحث، بعد ثبوت أصل الاسقاط و ان کان بحث عنها کبار أئمۀ علم الکلام أمثال المحقق نصیر
و غیرهما من العلماء. و للبحث عن شروط التوبۀ و آدابها مجال آخر. «4» و القاضی عبد الجبار «3» الدین الطوسی
إذ لا دلیل ( 1) الکافی الشریف: ج 2 ص 435 برقم 10 باب التوبۀ. «5» -3 الاحباط- بمعنی محق الحسنات بسیئۀ لاحقۀ- باطل عندنا
. 2) الزمر: 53 )
.240 - 3) انظر تجرید الاعتقاد بشرح العلامۀ ابن المطهر الحلّی: ص 239 )
4) انظر: شرح الاصول الخمسۀ لقاضی القضاة: ص 790 فما بعد. )
5) قال العلامۀ المجلسی: المشهور بین متکلمی الامامیۀ بطلان الاحباط و التکفیر، بل قالوا باشتراط الثواب و العقاب بالموافاة. قال: و )
. ذهبت المعتزلۀ الی ثبوتهما. بحار الانوار: ج 5 ص 332
ص: 387
علیه لا من العقل و لا من النقل، فضلا عن مخالفته لعموم الکتاب و السنۀ، و منافاته لاصول العدل و الحکمۀ فی باب المجازاة:
أوّلا: إذا کنا نقول فی باب المجازاة بالاستحقاق- کما علیه العدلیۀ- فما الذي دعا بسقوط مثوبات کان یستحقها المحسن ازاء أعماله
الحسنۀ، بمجرد سیئۀ ارتکبها، لغلبۀ شهوة أو شرائط اخر وافته فی ذلک، من غیر ان یکون قد طغی علی مولاه و لا قاطعا لأواصر
العبودیۀ التی کانت تربطه مع مولاه؟! نعم لو کنا نقول بأن المؤمن إذا عصی خرج عن الایمان- کما یقوله المعتزلۀ و یثبتون له منزلۀ
بین المنزلتین- لکان لهذا الاحتمال الباطل مجال، لکنا رفضنا هذا الرأي، و ان الفاسق- عندنا- باق علی ایمانه ما لم یجحد أو ینکر
الرسالۀ.
و من ثمّ فهو کما یستحق مذمۀ و عقابا علی معصیته، کذلک یستحق مدحا و ثوابا علی ثباته علی الایمان و سائر أعماله الصالحۀ. و لا
تنافی بین الأمرین- حسبما تقدم- فیعاقب عقابا منقطعا ثمّ یثاب علی الحسنات، إذا لم یشمله الغفران من أول الأمر.
ثانیا: معنی تقیید المثوبات و اشتراطها بعدم لحوق سیئۀ أبدا، هو اشتراط العصمۀ طول العمر کما فی الأنبیاء و الأئمۀ المعصومین! و هل
من العدل و الحکمۀ ان یشترط المولی الکریم، علی عباده- الذین خلقهم علی درجات من ضعف و عجز تجاه نزعات و مشتهیات
نفسیۀ و غیرها من مغریات- ان لا یرتکبوا ذنبا طول حیاتهم کی یفوزوا بثواب ما یعملون من الصالحات؟!. و هل هذا ممکن؟! و هل
یمکن لأحد ان یتخرج من الایفاء بهذا الشرط بسلام؟! ثالثا: منافاته لعموم الکتاب و السنۀ و اطلاقهما من غیر ما مخصص أو مقید.
قال تعالی: فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَیْراً یَرَهُ. و هذا عام یشمل الاعمال الحسنۀ التی قام بها مرتکب السیئۀ المتأخرة أیضا.
و هکذا قوله: إِنَّ اللَّهَ لا یَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ، وَ إِنْ تَکُ حَسَنَۀً یُضاعِفْها وَ یُؤْتِ
ص: 388
و العقل یري- فی بدء نظره- من الظلم ان تمحق سیئۀ واحدة لاحقۀ حسنات تقدمتها، و اللّه لا یظلم من .«1» مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِیماً
حسنات العباد حتی مثقال ذرة منها، فکیف بالحسنات الجسام؟ بل و من فضله و لطفه بعباده ان یضاعف حسناتهم علی الاطلاق، سواء
صفحۀ 224 من 268
أ کانت سابقۀ علی السیئۀ أم لاحقۀ.
هذا ما یفیده اطلاق الآیۀ و لا مقید لها علی ما سنذکر.
و قال: وَ .«2» رابعا: منافاته لقانون التعادل بین الذنب و العقاب، و قد قال تعالی: وَ مَنْ جاءَ بِالسَّیِّئَۀِ فَلا یُجْزي إِلَّا مِثْلَها وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ
.«5» و قال: وَ جَزاءُ سَیِّئَۀٍ سَیِّئَۀٌ مِثْلُها .«4» و قال: مَنْ عَمِلَ سَیِّئَۀً فَلا یُجْزي إِلَّا مِثْلَها .«3» الَّذِینَ کَسَبُوا السَّیِّئاتِ جَزاءُ سَیِّئَۀٍ بِمِثْلِها
فإذا کان اللّه- و هو العدل الحکیم- یقول: جزاء سیئۀ سیئۀ مثلها، فما الموجب للقول بأن سیئۀ واحدة مهما کان قدرها تمحق حسنات
جسما کانت سبقتها؟! و هل هذا إلّا ظلم و جور و حیف، و اضاعۀ صریحۀ لمثوبات اعمال صالحۀ کانت خالصۀ للّه وحده لا شریک
له. تعالی اللّه عن ذلک علوّا کبیرا.
عموم آیات التوفیۀ:
ان مراجعۀ عابرة لآیات التوفیۀ فی القرآن- و هی کثیرة جدا- تجعلنا نطمئن بعموم الجزاء علی الأعمال ان حسنۀ و ان سیئۀ، حسب
و لا مخصص لها فیما فحصنا فیما عدا خصوص الکفار أو من .« الناس مجزیون بأعمالهم إن خیرا فخیر و إن شرا فشر » : الأثر المعروف
. یرتد عن دینه فیموت کافرا. و قد تقدم بعضها، و الیک نماذج آخر: ( 1) النساء: 40
. 2) الانعام: 160 )
. 3) یونس: 27 )
. 4) غافر: 40 )
. 5) الشوري: 40 )
ص: 389
.«1» قال تعالی: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَۀِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها
و قال: لِلَّذِینَ أَحْسَ نُوا فِی «3» و قال: مَنْ جاءَ بِالْحَسَ نَۀِ فَلَهُ خَیْرٌ مِنْها «2» و قال: لِلَّذِینَ أَحْسَ نُوا فِی هذِهِ الدُّنْیا حَسَ نَۀٌ، وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَیْرٌ
.«5» و قال: مَنْ یَقْتَرِفْ حَسَنَۀً نَزِدْ لَهُ فِیها حُسْناً، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَکُورٌ «4» هذِهِ الدُّنْیا حَسَنَۀٌ
هذه الآیات کلها عامۀ شاملۀ لکلتا الصورتین سواء ألحقت الحسنۀ سیئۀ أم لم تلحقها! و فی الآیۀ الأخیرة صراحۀ فی هذا العموم، حیث
اشار الی جانب غفرانه تعالی، فالحسنات إذا کانت خالصۀ للّه فاللّه یشکر علیها و یقدرها و یغفر لصاحبها من ذنوبه سواء أ تقدمتها أم
عام. «6» تأخرت عنها! و هکذا قوله تعالی: إِنَّا لا نُضِیعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا
.«7» و قوله: فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّی لا أُضِیعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْکُمْ مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثی بَعْضُکُمْ مِنْ بَعْضٍ
.«8» و قوله: وَ ما کانَ اللَّهُ لِیُضِیعَ إِیمانَکُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِیمٌ
فمقتضی رأفته تعالی و رحمته ان لا یضیع أجر الایمان حتی من العصاة حیث الایمان من أفضل القربات.
.«9» و قوله تعالی: وَ وُفِّیَتْ کُلُّ نَفْسٍ ما کَسَبَتْ وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ
.«10» و قوله: ثُمَّ تُوَفَّی کُلُّ نَفْسٍ ما کَسَبَتْ وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ
.«11» و قوله: لَها ما کَسَبَتْ وَ عَلَیْها مَا اکْتَسَبَتْ
. 1) الانعام: 160 ) .«12» و قوله: لِیَجْزِيَ اللَّهُ کُلَّ نَفْسٍ ما کَسَبَتْ
. 2) النحل: 30 )
. 3) النمل: 89 ، و القصص: 84 )
. 4) الزمر: 10 )
صفحۀ 225 من 268
. 5) الشوري: 23 )
. 6) الکهف: 30 )
. 7) آل عمران: 195 )
. 8) البقرة: 143 )
. 9) آل عمران: 25 )
. 10 ) البقرة: 281 و آل عمران: 161 )
. 11 ) البقرة: 286 )
. 12 ) إبراهیم: 51 )
ص: 390
.«1» و قوله: الْیَوْمَ تُجْزي کُلُّ نَفْسٍ بِما کَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْیَوْمَ
.«2» و قوله: وَ لِتُجْزي کُلُّ نَفْسٍ بِما کَسَبَتْ وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ
.«3» و قوله: کُلُّ نَفْسٍ بِما کَسَبَتْ رَهِینَۀٌ
الآیات کلّها فی صیاغۀ عموم، بصورة تأبی عن التخصیص حسب ظاهر تعبیرها حیث فرضت اعفاء أي حسنۀ من حسنات العبد ظلما
به، حتی و لو کانت ملحوقۀ بسیئۀ، إذ لا تجزي سیئۀ إلّا بمثلها، أمّا محق جمیع الحسنات فلیس جزاء بالمثل فضلا عن قبحه العقلی علی
ما هو معلوم.
و قد أسلفنا ان مرتکب المعصیۀ لا یخرج من «4» و قال تعالی: فَمَنْ یَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا کُفْرانَ لِسَ عْیِهِ وَ إِنَّا لَهُ کاتِبُونَ
الایمان فبعموم هذه الآیۀ الکریمۀ تکون أعماله الصالحۀ جمیعا المتقدمۀ و المتأخرة مشکورة له مثبتۀ فی سجل حسناته محفوظۀ.
.«5» و قال: وَ أَنْ لَیْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعی وَ أَنَّ سَعْیَهُ (علی الاطلاق) سَوْفَ یُري
.«6» و قال: لِتُجْزي کُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعی
و قال تعالی: أُولئِکَ الَّذِینَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا، وَ نَتَجاوَزُ عَنْ سَیِّئاتِهِمْ فِی أَصْحابِ الْجَنَّۀِ، وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي کانُوا یُوعَدُونَ
.«7»
و لعلها أصرح آیۀ فی عموم التوفیۀ، و ان لا حبط بشأن المؤمن حتی و لو کان مرتکبا للذنب، فان ذنوبه سوف تغفر و تتدارکه رحمۀ
اللّه الواسعۀ التی کتبها للذین یتقون.
فقد وعد تعالی- فی هذه الآیۀ الکریمۀ- ان یتقبل حسنات المؤمنین و لم یشترط علیهم العصمۀ من الذنوب طول الحیاة، کما هو لازم
. القول بالاحباط ( 1) غافر: 17
. 2) الجاثیۀ: 22 )
. 3) المدثر: 38 )
. 4) الانبیاء: 94 )
.40 - 5) النجم: 39 )
. 6) طه: 15 )
. 7) الأحقاف: 16 )
ص: 391
علی مذهب أهل الاعتزال.
صفحۀ 226 من 268
و الآیات من هذا القبیل کثیرة فی القرآن، و هی حسب ظاهر تعبیرها آبیۀ عن التخصیص فضلا عن تکاثرها و تظافرها، الأمر الذي
بحاجۀ إلی مخصص قوي صریح، و المفروض فقد هذا المخصص علی ما سنبین.
اختصاص آیات الحبط بالکفار:
أمّا الآیات التی جاء فیها ذکر الاحباط فکلها خاصۀ بالکفار و المشرکین ممن یموت علی الکفر و الجحود:- قال تعالی: ما کانَ
.«1» لِلْمُشْرِکِینَ أَنْ یَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِینَ عَلی أَنْفُسِهِمْ بِالْکُفْرِ أُولئِکَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَ فِی النَّارِ هُمْ خالِدُونَ
.«2» و قال تعالی- إشارة إلی امم سابقۀ کفرت-: أُولئِکَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ وَ أُولئِکَ هُمُ الْخاسِرُونَ
.«3» و قال: أُولئِکَ الَّذِینَ کَفَرُوا بِآیاتِ رَبِّهِمْ وَ لِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ
.«4» و قال: أُولئِکَ لَمْ یُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ
.«5» و قال: ذلِکَ بِأَنَّهُمْ کَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ
.«6» و قال: ذلِکَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ وَ کَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ
.«7» و قال: إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ وَ شَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُمُ الْهُدي لَنْ یَضُرُّوا اللَّهَ شَیْئاً وَ سَیُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ
. 1) التوبۀ: 17 ) .«8» و قال: مَثَلُ الَّذِینَ کَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ کَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّیحُ فِی یَوْمٍ عاصِفٍ، لا یَقْدِرُونَ مِمَّا کَسَبُوا عَلی شَیْءٍ
. 2) التوبۀ: 69 )
. 3) الکهف: 105 )
. 4) الاحزاب: 19 )
. 5) محمّد: 9 )
. 6) محمّد: 28 )
. 7) محمّد: 32 )
. 8) إبراهیم: 18 )
ص: 392
.«1» و قال: وَ قالَ الَّذِینَ لا یَرْجُونَ لِقاءَنا- إلی قوله- وَ قَدِمْنا إِلی ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً
إلی نظائرها من آیات تخص حبط اعمال الکافر باللّه الجاحد للنبوة المکذب لرسالۀ نبیّنا محمّد (صلّی اللّه علیه و آله و سلّم). و لا
یملک القائل بعموم الحبط دلیلا ذا صراحۀ من الکتاب العزیز، و بالتالی فان العمومات المتقدمۀ بموافاة کلّ انسان جزاء اعماله ان خیرا
فخیر و ان شرا فشر، باقیۀ علی شمولها لاعمال مرتکب الذنب أیضا. خرج منها منکر الرسالۀ و بقی الباقی- اطلاقا- تحت العموم. الأمر
الذي تقتضیه قواعد علم الاصول و البیان.
هل فی آیات الحبط عموم؟
احتمالا- دلالۀ آي من الکتاب علی عموم الحبط و عدم اختصاصه بمن یموت کافرا. و هو و ان لم یذکر من -«2» قد یزعم البعض
تلک الآیات شیئا و لا أشار الیها بالخصوص، و انما ذکر ذلک تعبیرا عابرا، و من ثمّ فان کانت نظرته إلی آیات الحبط المتقدمۀ فهی
کانت خاصۀ بالکفار و المشرکین، و إن کانت إلی غیرها فلم یبین، و نحن فی عرضنا لآیات القرآن فی خصوص مسألۀ الاحباط عثرنا
علی آیات لعلها ذات دلالۀ ظاهریۀ- فی بدء النظر- علی عموم الحبط، نذکرها فیما یلی:- 1- قال تعالی: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَقُولُ رَبَّنا آتِنا
صفحۀ 227 من 268
فِی الدُّنْیا، وَ ما لَهُ فِی الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ. وَ مِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِی الدُّنْیا حَسَ نَۀً وَ فِی الْآخِرَةِ حَسَ نَۀً وَ قِنا عَذابَ النَّارِ. أُولئِکَ لَهُمْ
.«3» نَصِیبٌ مِمَّا کَسَبُوا، وَ اللَّهُ سَرِیعُ الْحِسابِ
.23 - إلی خصوص الفئۀ الثانیۀ، کانت ( 1) الفرقان: 21 « اولئک » : فإذا ارجعنا الاشارة فی قوله
. 2) انظر: القول السدید فی شرح التجرید للسید الشیرازي: ص 396 )
.202 - 3) البقرة: 200 )
ص: 393
الآیۀ- فی بدء النظر- دالۀ علی اختصاص توفیۀ المثوبات بهم، و ان لاحظ للفئۀ الاولی فیما اکتسبوه من الحسنات. و الآیۀ- بظاهرها-
عامّۀ تشمل ما إذا کان من الفئۀ الاولی مؤمنون معتقدون باللّه و مصدقون برسالۀ نبیّنا (صلّی اللّه علیه و آله و سلّم)! قلنا: هذه الاستفادة
من الآیۀ خاطئۀ، لانها نزلت تعریضا بشأن المشرکین کانوا إذا وقفوا بالموقف ذکروا آباءهم و نوهوا بأمجاد جاهلیۀ تفاخرا علی بعضهم
و إذا سألوا اللّه شیئا لم یتجاوزوا مطالیب سافلۀ ابلا و غنما و رقیقا و ظفرا علی أعداء و لا یسألونه الجنۀ و المغفرة و الرضوان، حیث
و من ثمّ ذکر تعالی: .«1» فقد العقیدة بالبعث و النشور إِنْ هِیَ إِلَّا حَیاتُنَا الدُّنْیا نَمُوتُ وَ نَحْیا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِینَ
وَ ما لَهُ فِی الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ.
و لا شک ان الذي لا خلاق له فی الآخرة هو الکافر المحض- حسبما تقدم- وَ قَدِمْنا إِلی ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً. أمّا
الفئۀ الاخري- و هم المؤمنون بیوم المعاد- فیسألون اللّه تعالی خیر الدنیا و الآخرة و المغفرة و النجاة من النار، فهؤلاء لهم نصیب فی
.«2» الآخرة: یَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَۀٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ، وَ أَنَّ اللَّهَ لا یُضِیعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِینَ
قال ابن عباس: کان قوم من الاعراب یجیئون إلی الموقف فیقولون: اللهم اجعله عام غیث و عام خصب و عام ولاد حسن، لا یذکرون
من أمر الآخرة شیئا. فأنزل اللّه فیهم فَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِی الدُّنْیا، وَ ما لَهُ فِی الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ. و یجیء بعدهم آخرون من
المؤمنین فیقولون: رَبَّنا آتِنا فِی الدُّنْیا حَسَ نَۀً وَ فِی الْآخِرَةِ حَسَ نَۀً وَ قِنا عَذابَ النَّارِ. فأنزل اللّه فیهم أُولئِکَ لَهُمْ نَصِ یبٌ مِمَّا کَسَ بُوا وَ اللَّهُ
سَرِیعُ الْحِسابِ.
. و عن مجاهد: کان أهل الجاهلیۀ إذا اجتمعوا بالموسم ذکروا فعل آباءهم فی ( 1) المؤمنون: 37
. 2) آل عمران: 171 )
ص: 394
الجاهلیۀ و أیامهم و انسابهم فتفاخروا، فأنزل اللّه ... الخ.
و عن ابن الزبیر: کان الناس فی الجاهلیۀ إذا وقفوا بالمشعر الحرام دعوا فقال أحدهم: اللهم ارزقنی ابلا، و قال الآخر: اللهم ارزقنی
غنما، فأنزل اللّه ... الخ.
و عن السديّ: کانت العرب إذا قضت مناسکها و اقامت بمنی، لا یذکر اللّه الرجل منهم، و انما یذکر أباه، و یسأل ان یعطی فی الدنیا
.«1»
.«2» و عن الامام أبی جعفر محمد بن علی الباقر (علیه السلام): انهم کانوا یجتمعون، یتفاخرون بالآباء، و بمآثرهم، و یبالغون فیه
إلی خصوص الفئۀ الثانیۀ، أمّا لو ارجعناها الی کلتا الطائفتین، کان المعنی: ان لکل نصیبه « اولئک » هذا فیما لو کانت الاشارة فی
حسبما یبتغیه ان دنیا و ان آخرة، نظیر قوله تعالی: مَنْ کانَ یُرِیدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِی حَرْثِهِ. وَ مَنْ کانَ یُرِیدُ حَرْثَ الدُّنْیا نُؤْتِهِ مِنْها، وَ
.«3» ما لَهُ فِی الْآخِرَةِ مِنْ نَصِیبٍ
بل و حتی المؤمن إذا کان همه الدنیا کانت هی نصیبه من حظ الحیاة، و لا حظ له فی الآخرة، ذلک الحظ الاوفر. حیث قصور نظره و
ابتذال همته. کما
صفحۀ 228 من 268
انها نزلت فیمن أخذ مالا «4» روي فی قوله تعالی: إِنَّ الَّذِینَ یَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَیْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِیلًا. أُولئِکَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِی الْآخِرَةِ
.«5» بیمین فاجرة
فهؤلاء، و إن کانوا مؤمنین بحسب الظاهر، لکنهم فی واقع باطنهم لا طمع لهم فی الآخرة.
کما
یعنی المجاهدین فی سبیله لأطماع دنیویۀ لا «6» « ان اللّه یؤید هذا الدین باقوام لا خلاق لهم » :( روي عن النبیّ (صلّی اللّه علیه و آله
. عقیدة لهم راسخۀ، ( 1) الطبري- التفسیر-: ج 2 ص 174 . و الدر المنثور: ج 1 ص 232 . و اسباب النزول للواحدي: ص 34
. 2) التبیان للشیخ الطوسی: ج 2 ص 170 . و مجمع البیان: ج 2 ص 297 . و الصافی: ج 1 ص 178 )
. و العیاشی: ج 1 ص 98
. 3) الشوري: 20 )
. 4) آل عمران: 77 )
. 5) تفسیر البرهان: ج 1 ص 292 . و المجمع: ج 2 ص 463 . و الدر المنثور: ج 2 ص 44 )
. 6) التفسیر الکبیر للامام الرازي: ج 5 ص 187 )
ص: 395
و ربما کانوا متظاهرین بالاسلام. و کما
یعنی ذلک الحظ الأوفر الذي . «1» « من لبس الحریر فی الدنیا فلا خلاق له فی الآخرة » : روي- أیضا- انه (صلّی اللّه علیه و آله) قال
یناله المؤمن المعتقد المحافظ.
و علیه
« اولئک لهم نصیب » : فقوله
أي النصیب الأوفر التام. و أمّا غیرهم من المؤمنین القاصرین فان نصیبهم من الآخرة قلیل.
-2 و قال تعالی: لِیَجْزِيَ الَّذِینَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ یَجْزِيَ الَّذِینَ أَحْسَ نُوا بِالْحُسْنَی. الَّذِینَ یَجْتَنِبُونَ کَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ، إِنَّ
.«2» رَبَّکَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ
قیدا لقوله: وَ یَجْزِيَ الَّذِینَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَی. فلا ینال أحدا «... الذین یجتنبون » و لعل متشبثا یتشبث بالتقیید الذي جاء فی الآیۀ الکریمۀ
مثوبات أعماله إلّا إذا کان مجتنبا للکبائر، الأمر الذي ینطبق علی مذهب الاحباط، حیث السیئۀ اللاحقۀ تذهب بالحسنات أدراج الریاح!
فیکون قیدا له. لکن قد یستشکل: کیف یصلح الفعل المستقبل بیانا « الذین احسنوا » بیانا من « الذین یجتنبون » قلت: هذا بناء علی اعتبار
للفعل الماضی؟! و من ثمّ رجح بعضهم کونه مستأنفا به، أي هم الذین یجتنبون ...
.« إنّ ربک واسع المغفرة » : الخ، أو یکون الموصول مبتدأ محذوف الخبر، مدلولا علیه بقوله
و علی کل تقدیر، ففی التحول من لفظ الماضی أوّلا إلی لفظ المضارع ثانیا نکتۀ لطیفۀ، هی ملاحظۀ ما لجانب الفعل المضارع من
دلالته علی الدأب و الاعتیاد الحاصل بالغلبۀ و الأکثریۀ، الأمر الذي لا یثلمه الخروج عنه مرة أو مرّتین مثلا. فمن کان من عادته المشی
. بعد الأکل عادة حاصلۀ بالأغلب، ( 1) مسند أحمد بن حنبل: ج 1 ص 46
.32 - 2) النجم: 31 )
ص: 396
یصح فی شأنه ان یقال: انه یمشی بعد الأکل. و لا یضر بهذا الاطلاق ان لا یمشی بعد الأکل أحیانا، إذا لم یخالف عادته رأسا.
فالمؤمن المعتقد هو الذي یلتزم علی نفسه بأن یجتنب المعاصی و لا یقتر بها و لا یضره الاقتراف أحیانا علی خلاف المعتاد. و هذا
صفحۀ 229 من 268
أي یحاول بکل جهده اجتنابها و ان کان قد تعاکسه الظروف رغم عادته. « انه یجتنب الذنوب » یصدق بشأنه
و من ثمّ قال تعالی- بشأن المؤمنین فیما یخص جانب ترکهم للمعاصی-:
لان الماضی یدل علی تواصل الاجتناب « اجتنبوا » : و لم یقل .«1» وَ الَّذِینَ یَجْتَنِبُونَ کَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ، وَ إِذا ما غَضِ بُوا هُمْ یَغْفِرُونَ
فی الماضی، و یثلمه التخلف فی فترة أو فترات. فمن ارتکب کبیرة مرة أو مرّات طول حیاته، لا یصدق بشأنه أنه اجتنبها بصیغۀ
الماضی، لکن یصدق بشأنه انه مجتنب أو یجتنب المعاصی بصیغۀ اسم الفاعل أو المضارع.
و لذلک لما جاء دور معصیۀ خصوص الشرك، عبّر تعالی بصیغۀ الماضی:
لانها معصیۀ غیر مغفورة و لیست بالتی لا تضر بالایمان أن یقترفها المؤمن أحیانا فی حیاته! .«2» وَ الَّذِینَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ یَعْبُدُوها
و الخلاصۀ: انه تعالی ذکر فی الآیۀ الکریمۀ أولا جانب الایمان و فعل الطاعات و عبر عنه بصیغۀ الماضی، دلالۀ علی الاستمرار و
ثمّ ذکر جانب ترك المعاصی و اجتناب المحرمات، و عبّر عنه بصیغۀ المضارع، دلالۀ علی اعتبار کون .« الذین احسنوا » التواصل
.«3» المؤمن بانیا علی ترکها و ملتزما علی نفسه اجتنابها، الأمر الذي لا یضره الاقتراف أحیانا. إِنَّ الْحَسَناتِ یُذْهِبْنَ السَّیِّئاتِ
. ففی هذا الاختلاف فی التعبیر ماضیا و مضارعا- دلالۀ واضحۀ علی ان ( 1) الشوري: 37
. 2) الزمر: 17 )
. 3) هود: 114 )
ص: 397
سیئۀ واحدة لا حقۀ لیست بالتی تمحق الحسنات السابقۀ بأسرها، کما یرومه القائل بالحبط! فلا مساس للآیۀ بمسألۀ الاحباط رأسا.
-3 و قال تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَ دَقاتِکُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذي کَالَّذِي یُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَ لا یُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ
.«1» کَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَیْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَکَهُ صَلْداً، لا یَقْدِرُونَ عَلی شَیْءٍ مِمَّا کَسَبُوا، وَ اللَّهُ لا یَهْدِي الْقَوْمَ الْکافِرِینَ
ربما یزعم البعض أنّ فی الآیۀ الکریمۀ دلالۀ علی الحبط بشأن المؤمنین أیضا.
فان الامتنان و الأذي معصیۀ تمحق حسنۀ الصدقۀ السابقۀ، و من ثمّ قال تعالی فی الآیۀ قبلها: الَّذِینَ یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ، ثُمَّ لا
یُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنا وَ لا أَذيً، لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ. قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَ مَغْفِرَةٌ خَیْرٌ مِنْ صَدَقَۀٍ یَتْبَعُها
.«2» أَذيً وَ اللَّهُ غَنِیٌّ حَلِیمٌ
قلت: إذا کان من شرط الصدقۀ- و هی عبادة- قصد الخلوص و القربۀ إلی اللّه لانها انفاق فی سبیل اللّه، فان المنۀ علی المتصدق علیه
مناقضۀ صریحۀ لماهیۀ الصدقۀ و قلب لها من کونها قربۀ إلی کونها ریاء و سمعۀ، فضلا عن کونها أذي و هتکا لشخصیۀ مسلمۀ
کریمۀ.
فالصدقۀ مع المنۀ لیست بصدقۀ فی حقیقتها، و من ثمّ فلا حسنۀ کی تمحقها سیئۀ، فلا موضوع فی الآیۀ لمسألۀ الاحباط! و هذا نظیر ما
کان أحد الصوفیۀ یرتکبها، کان یسرق ثمّ یتصدّق به، زاعما ان الحسنۀ تقابل بالعشر و السیئۀ بواحدة.
.«3» فقال له الامام (علیه السلام): ویلک، أمّا قرأت: إِنَّما یَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِینَ
. و سیوافیک الحدیث (ص 400 ) فی بحث التکفیر. ( 1) البقرة: 264
.263 - 2) البقرة: 262 )
. 3) المائدة: 27 )
ص: 398
-4 و قال تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَکُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِیِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ، کَجَهْرِ بَعْضِ کُمْ لِبَعْضٍ. أَنْ تَحْبَطَ
.«1» أَعْمالُکُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ
صفحۀ 230 من 268
رجح سیدنا الطباطبائی دلالۀ الآیۀ الکریمۀ علی الحبط، قال: ظاهر الآیۀ ان رفع الصوت فوق صوت النبیّ (صلّی اللّه علیه و آله) و
.«2» الجهر له بالقول، معصیتان موجبتان للحبط الأمر الذي یدلنا علی ان غیر الکفر من المعاصی- أیضا- یوجب الحبط
قلت: لا شک ان أصحابنا الامامیۀ متفقون علی ان لا حبط فی غیر الموت علی الکفر، لانه ظلم و قبیح- حسبما أسلفنا- و من ثمّ ذهبوا
جمیعا إلی توجیه الحبط فی الآیۀ الکریمۀ بما یلتئم و مذهبهم فی العدل.
اعلم أنّ المشهور بین متکلّمی الامامیۀ بطلان الاحباط و التکفیر، بل قالوا باشتراط الثواب و » :- قال العلامۀ المجلسی- رحمه اللّه
العقاب بالموافاة. بمعنی ان الثواب علی الایمان مشروط بان یعلم اللّه منه انه یموت علی الایمان، و العقاب علی الکفر و الفسوق
.«3» « مشروط بأن یعلم اللّه انه لا یسلم و لا یتوب. و بذلک أوّلوا الآیات الدالۀ علی الاحباط و التکفیر
ثمّ أمرهم- ثانیا- بأن قال: » : قال شیخ الطائفۀ- قدس سره- فی تفسیر الآیۀ
(لا ترفعوا أصواتکم فوق صوت النبیّ) علی وجه الاستخفاف به (صلّی اللّه علیه و آله). فان مجاهدا و قتادة قالا: جاء أعراب أجلاف
من بنی تمیم فجعلوا ینادون وراء الحجرات: یا محمّد، اخرج إلینا. و لو أنّ انسانا رفع صوته علی صوت النبیّ (صلّی اللّه علیه و آله)
( علی وجه التعظیم له و الاجابۀ لقوله، لم یکن مأثوما. و قد فسر ذلک بقوله (و لا تجهروا له بالقول کجهر بعضکم لبعض) فان ( 1
. الحجرات: 2
. 2) تفسیر المیزان: ج 18 ص 335 )
. 3) بحار الانوار: ج 5 ص 332 )
ص: 399
.«1» « العادة جاریۀ ان من کلم غیره و رفع صوته فوق صوته، ان ذلک علی وجه الاستخفاف به، فلذلک نهاهم عنه
و بعد فلعل الآیۀ بذاتها ظاهرة فیما نقوله، و ان الحبط فیها یمس جانب رذیلۀ الاستخفاف بمقام النبیّ الکریم (صلّی اللّه علیه و آله)،
المفضی فی نهایۀ الأمر إلی الارتداد شیئا فشیئا، و إن کان صاحبه لا یشعر بذلک، حیث التعود علیه تدریجیا.
ذلک أنّ الانسان إذا ارتکب رذیلۀ مما لم یرتکبها من قبل، ندم علیها اشد الندم، لکنه إذا ارتکبها مرارا فان خشیته تقل و خوفه
یتضاءل و لا یندم کندمه فی البدء، و ربما أوجب التکرار عادة یعتادها الانسان من غیر ان یحس بقبحها شیئا فشیئا. فعلی الانسان السائر
فی طریق التهذیب و الکمال ان یسد علی نفسه أبواب المعاصی فی أوائل أمرها، حیث الانقلاع فی بدء الأمر هین و فی الغضون
صعب. و ربما ینتهی الأمر إلی ما لا یراه قبیحا أو ذنبا مستنکرا.
و علیه فلا شک ان رفع الصوت فوق صوت النبیّ (صلّی اللّه علیه و آله) و الجهر له بالکلام بما یشبه الصیاح، خلاف الأدب، و استهانۀ
بمقامه الکریم، و هی رذیلۀ قبیحۀ تؤدي بصاحبها تدریجیا- إذا أصر علیها- إلی الاستخفاف به (صلّی اللّه علیه و آله و سلم) و
استحقاره و التنزل بمقامه السامی إلی درجۀ العبید و الارقاء- العیاذ باللّه- الأمر الذي ینتهی فی نهایۀ المطاف إلی استصغار مقام النبوة،
و ربما إلی انکارها، و اعتبار النبیّ کأحدهم من سائر الناس، لا مزیۀ له و لا منزلۀ شامخۀ، و هو فی حد الکفر و الارتداد و ربما بلغه
المرتکب لا عن شعوره.
یدل علی ذلک شواهد من السورة نفسها:
کان أحدهم یتقدم علی رسول اللّه فی المشی .«2» أوّلا- قوله تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَيِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ
. استکبارا بنفسه ( 1) تفسیر التبیان: ج 9 ص 338
. 2) الحجرات: 1 )
ص: 400
و استعظاما لزعامته علی افراد قبیلته کان یحسبهم کثرة ذوي عزة، تجاه قبیلۀ النبیّ ذات قلۀ فی نظرهم. و هی إهانۀ بمقام النبیّ العظیم
صفحۀ 231 من 268
بلا شک. و من ثمّ حذرهم تعالی بقوله: وَ اتَّقُوا اللَّهَ أي احذروا نکال هذه الرذیلۀ السیئۀ و هذا الذنب الخطیر المؤدّي إلی الکفر و
الارتداد أحیانا.
یدل علی أنّهم کانوا یحسبون من شموخ مقامه المنیع (صلّی اللّه علیه و آله) متماثلا معهم و فی «1» ثانیا- قوله: کَجَهْرِ بَعْضِکُمْ لِبَعْضٍ
مستواهم الهابط من الکرامۀ و الفضیلۀ الأمر الذي هو ازراء بشأنه (صلّی اللّه علیه و آله).
تعریض بان الذین یخالفون هذا «2» ثالثا- قوله: إِنَّ الَّذِینَ یَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِکَ الَّذِینَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوي
الأدب الاسلامی هو ذووا قلوب جافۀ قاسیۀ لم ترضخ لشریعۀ اللّه و من ثمّ فلم تتمرن علی التقوي و الخشیۀ التی هی من لین القلوب،
فهم إلی العتو و الاستکبار اقرب منهم إلی الخضوع و الاستسلام.
أي تمکن الجهل و العماء من قلوبهم فلم یستعدوا بأنفسهم .«3» رابعا- قوله: إِنَّ الَّذِینَ یُنادُونَکَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْقِلُونَ
للرضوخ إلی تعالیم الاسلام القیمۀ.
یعنی ان سوء الأدب بمقام النبوة سوف یؤدي إلی الارتداد الفظیع، من غیر «1» و أخیرا- فقوله: أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُکُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ
أن تشعروا بالسقوط تدریجیا إلی مهواه السحیق.
التکفیر بین العموم و الخصوص!
أمّا تکفیر الحسنات للسیئات- اجمالیا- فمما لا شک فیه، نظرا لصراحۀ القرآن المجید و السنۀ المتواترة فی ذلک. لکن هل هذا
. التکفیر عام فی جمیع الحسنات ( 1) الحجرات: 2
. 2) الحجرات: 3 )
. 3) الحجرات: 4 )
ص: 401
و بالنسبۀ إلی جمیع السیئات اطلاقا، أم هناك شروط و قیود و تفصیل؟
لا نستطیع- و نحن نري العدل و الحکمۀ فی ذاته المقدسۀ- ان نلتزم بعموم التکفیر بصورة مطلقۀ، إذ أقل نتیجۀ لهذا الالتزام هو اجتراء
أهل الکبائر علی اقتراف الذنوب و الآثام من غیر ما مبالاة. فلیرتکب المذنب ما ترغب الیه نفسه الخبیثۀ بصورة مستمرة عبر اللیالی و
الأیام، بل علی مرّ الساعات و الآنات، مقتنعا بنفسه انه ملتزم بالصلاة و الصدقات، لقوله تعالی: إِنَّ الْحَسَ ناتِ یُذْهِبْنَ السَّیِّئاتِ! و لعل
عمر بن سعد- مع اعترافه بمآثم قتل ابن رسول اللّه (صلّی اللّه علیه و آله) کان ممن یمیل إلی هذا المذهب المنحرف فی قوله:
«1» فان صدّقوا فیما یقولون اننی أتوب إلی الرحمن من سنتین
الأمر الذي ینکره الوجدان الشریف، و یرفضه دأب العقل الرشید، فضلا عن منافاته لمقام عدله تعالی و حکمته فی التکلیف و البعث و
الزجر و الوعد و الوعید.
و فی حدیث الامام أبی عبد اللّه الصادق (علیه السّلام) مع أحد الصوفیۀ دلالۀ واضحۀ علی فساد هذا المذهب العامی:-
ان من اتبع هواه و اعجب برأیه کان کرجل سمعت غثاء العامۀ تعظمه، فأحببت لقائه من حیث لا یعرفنی. فتبعته » :( قال (علیه السلام
یوما فمرّ بخباز فتغفله و سرق منه رغیفین. ثمّ مرّ بصاحب رمان فاختطف منه رمانتین، فتعجبت و قلت فی نفسی ما حاجته إلی هذه
السرقۀ! ثمّ لم أزل أتبعه حتی مرّ بمریض فوضع الرغیفین و الرمانتین بین یدیه! قال الامام: فتعرضت له و سألته عن صنیعه ذلک. فقال:
لعلک جعفر بن ( 1) اسرار الشهادة عن مقتل ابن مخنف: ص 232 . و تجد صدر الابیات فی کامل ابن الاثیر: ج 3 ص 283 و مناقب
. ابن شهرآشوب: ج 4 ص 98
ص: 402
صفحۀ 232 من 268
محمّد! قلت: بلی. فقال: فما ینفعک شرف أصلک مع جهلک! قلت: و ما الذي جهلت منه؟ قال: قول اللّه عزّ و جلّ: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَۀِ
فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَ مَنْ جاءَ بِالسَّیِّئَۀِ فَلا یُجْزي إِلَّا مِثْلَها. و انی لما سرقت الرغیفین کانتا سیئتین، و لما سرقت الرمانتین کانتا سیئتین، فهذه
أربع سیئات. فلما تصدقت بکلّ واحدة منها کانت لی أربعون حسنۀ و إذا نقصت منها أربعا بقیت ست و ثلاثون حسنۀ! قال الامام:
قلت له: ثکلتک امک، أنت الجاهل بکتاب اللّه، أما سمعت اللّه عزّ و جلّ یقول: إِنَّما یَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِینَ. انک لما سرقت الرغیفین
و الرمانتین کانت أربع سیئات، و لما دفعتها إلی غیر أصحابها بغیر رضاهم کنت أضفت الی سیئاتک أربع سیئات اخر، و لم تصف
فانصرفت و ترکته. «1» لک الأربعون! قال: فجعل یلاحینی
.«2» « بمثل هذا التأویل القبیح المستکره یضلّون و یضلّون » : قال الامام
إذن فلا بدّ من تأویل ما ورد فی الکتاب و السنۀ ما ظاهره عموم التکفیر، أمّا باختصاصه ببعض الذنوب کالصغائر مثلا، أو بصورة ما إذا
حصل من المرتکب ندم علی فرط منه، فإذا قام بحسنۀ کصلاة و صدقۀ فی سبیل اللّه، کان ذلک من موجبات قبول توبته، أمّا وقوع
مطلق الحسنات کفارة لمطلق السیئات کبیرة و صغیرة، سواء أندم علیها أم لم یندم، کان بانیا علی ترکها أم مصرا علی فعلها فهذا مما
لا نستطیع الموافقۀ علیه، ما دام مذهبنا یري العدل و الحکمۀ فی أفعاله تعالی. ( 1) لاحاه: شتمه و أبغضه.
2) وسائل الشیعۀ: ج 6 ص 327 . و معانی الاخبار للصدوق: ص 14 . و التفسیر المنسوب الی الامام العسکري: ص 16 . و احتجاج )
.130 - الطبرسی: ج 2 ص 129
ص: 403
و الیک من الآیات ما تعرضت لظاهرة التکفیر:
.«1» -1 قال تعالی: وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَیِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّیْلِ، إِنَّ الْحَسَناتِ یُذْهِبْنَ السَّیِّئاتِ ذلِکَ ذِکْري لِلذَّاکِرِینَ
و ربما تواترت الروایات بشأن الصلوات الخمس، إذا قام المسلم فتوضأ فأحسن الوضوء ثمّ صلی الصلوات الخمس، تحاتت خطایاه
.«2» کما یتحات الورق من الغصن الیابس
و لنتساءل: هل هذا عام یشمل النادم و المصر؟ أو الکبائر کلها؟ فلیرتکب أصحاب الجرائم و الکبائر ما بدا لهم من ذنوب و آثام، و لا
مبالاة، فان صلاة واحدة من الصلوات الخمس تذهب بالسیئات کلها، فلیصلها ثمّ یعود إلی جنایاته و هکذا یذنب الذنوب العظام و
یعقبها بصلاة لتکون کفارة عن ذنوبه کلها و مطهرة له من الآثام، حتی و لو کان بانیا علی العود و الاقتراف علی الاستمرار!؟.
فالصحیح فی تفسیر الآیۀ أحد وجهین:
مغفورة «3» - الأوّل: اختصاص ذلک بالصغائر، الأمر الذي نلتزم فیه بالتکفیر خاصا به. فالصغائر- و هی الذنوب المغفول عنها غالبیا
. علی شریطۀ الایفاء ( 1) هود: 114
2) انظر: مجمع البیان: ج 5 ص 201 . و تحات الورق من الشجر- بتشدید التاء-: تناثر و تساقط. )
3) اختلفوا فی تعیین الصغائر و تمییزها عن الکبائر، فقیل: ما اوعد اللّه علیه النار أو أوجب علیه حدا، و قیل: کل ما نهی اللّه فهی )
کبیرة، لان کبر الذنب انما هو بالقیاس الی عظم شأن المولی. و قیل لیست فی الذنوب صغیرة الا بالقیاس الی اکبر منها، فبعضها اکبر و
. بعضها اصغر قیاسا نسبیا لا حقیقیا. انظر: مجمع البیان: ج 3 ص 38
و الصحیح ان هناك کبائر و صغائر. و فی بعض الروایات تعداد الکبائر بالخصوص. و هی جمیع الذنوب المعروفۀ، و ربما بلغت
سبعین ذنبا تقریبا. و جاء فی حدیث شرائع الدین عن الامام الصادق (علیه السلام) بروایۀ الأعمش، إشارة الی کثیر منها. راجع: بحار
.229 - الانوار: ج 10 ص 222
الذنوب کلها شدیدة، و أشدها ما نبت علیه اللحم » ( قال الامام الصادق (علیه السلام
ص: 404
صفحۀ 233 من 268
و من الکبائر ترك- الصلوات «1» بالصلوات الخمس تامۀ کاملۀ. فقد وعد تعالی بغفران الصغائر، لکن وعدا مشروطا باجتناب الکبائر
المفروضۀ أو الاستهانۀ بها،
و الاستخفاف بالصلاة بذاته کبیرة موبقۀ. فمن شرط غفران «2» « لا تنال شفاعتنا مستخفا بصلاته » :( قال الامام الصادق (علیه السلام
الصغائر الاهتمام بالصلاة و حسن أداءها و المحافظۀ علی حدودها و الاتمام من رکوعها و سجودها و ما إلی ذلک من أحکام و آداب
مفروضۀ.
أي تاب .«3» الثانی: ان تفسر الحسنات بالتوبۀ و الاستغفار. کما فی قوله تعالی: إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّی غَفُورٌ رَحِیمٌ
.«4» بعد معصیۀ. قال السید شبر: توبۀ بعد ذنب، فی غیر المعصوم. و فی المعصوم: بعد ترك اولی
و لا خلاف فی ان التوبۀ تذهب بالسیئات، أي تسقط عقابها، حسبما وعد اللّه تعالی فی الذکر الحکیم. قال تعالی: وَ إِنِّی لَغَفَّارٌ لِمَنْ
الکافی الشریف ج 2 ص .« ثُمَّ إِنَّ رَبَّکَ لِلَّذِینَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَۀٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ و الدم .«5» تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدي
287 . و باب استصغار الذنوب ص 287 . و باب الاصرار - 270 . و البحار: ج 73 ص 317 . و راجع الکافی: باب الکبائر ج 2 ص 276
علی الذنب ص 288 . و غیرها من ابواب مناسبۀ.
و علیه فالصغیرة عندنا هی الذنوب التی ترتکب عفوا و ربما لا عن قصد و شعور. لکن لا بمثابۀ تکون عذرا. و ذلک اکثر ما یبتلی به
الناس فی حیاتهم الیومیۀ، من دون ما مبالاة بالتحفظ علی حقوق معاشرة الاخوان بتلک الدقۀ التی عینها الاسلام، و ما أشبه ذلک. و
لعلنا فی مجال آخر مناسب نتعرض لهذه المسألۀ بتفصیل و توضیح اکثر.
الکافی الشریف: ج 2 ص 288 . اذ الصغیرة انما تقع « لا صغیرة مع الاصرار، و لا کبیرة مع الاستغفار » :( قال الامام الصادق (علیه السلام
.285 - من المؤمن المحافظ عفوا مرة أو مرتین. اما مع الاصرار فهی خطیئۀ کبیرة و ربما ذهبت بالایمان. راجع: الکافی: ج 2 ص 284
. 1) فی قوله تعالی: إِنْ تَجْتَنِبُوا کَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُکَفِّرْ عَنْکُمْ سَیِّئاتِکُمْ- النساء: 31 )
18 باب تحریم الاستخفاف بالصلاة و التهاون بها، 6 من اعداد الفرائض و نوافلها. - 2) انظر: وسائل الشیعۀ: ج 3 ص 15 )
. 3) النمل: 11 )
. 4) تفسیر شبر (ط القاهرة): ص 363 )
. 5) طه: 82 )
ص: 405
و غیرهما من آیات و هی کثیرة. .«1» ذلِکَ وَ أَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّکَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِیمٌ
قال شیخ الطائفۀ- قدس اللّه روحه-: و قوله تعالی: إِنَّ الْحَسَ ناتِ یُذْهِبْنَ السَّیِّئاتِ قیل فیه وجهان: أحدهما- تذهب به علی وجه
التکفیر، إذا کانت المعصیۀ صغیرة. و الآخر- ان المراد بالحسنات التوبۀ، تذهب بالسیئۀ أي تسقط عقابها. لانه لا خلاف فی سقوط
.«2» العقاب بالتوبۀ. قال: و قد قیل: ان الدوام علی فعل الحسنات یدعو إلی ترك السیئات، فکأنّها ذهبت بها
و هذا الذي ذکره الشیخ أخیرا یصلح وجها ثالثا لتفسیر الآیۀ الکریمۀ لیصیر معنی الآیۀ- و اللّه العالم-: ان المواظبۀ علی الاعمال
الصالحۀ و اتیان الخیرات و الرغبۀ فی الحسنات، لمما یزید فی التوفیق و یبعث علی ترك السیئات و اجتناب الشرور و المفاسد طبعا،
إذ کلما ازدادت رغبۀ الانسان فی جهۀ ازداد بعدا عن جهۀ اخري مخالفۀ لها. و النفس البشریۀ سریعۀ التعود علی الوضع الذي أنست
به، و الطریقۀ التی سلکته فی الحیاة أمّا صلاحا أو فسادا.
فالانسان الذي یزاول أعماله فی جو صالح تراه لا یفکر إلّا فی خیر، و لا یستطیع ارتکاب شرور حسبما ألفه من صلاح. و هکذا
العکس، الذي یزاول أعماله فی جو فاسد لا یفکر إلّا فی شرور و آثام. و هی طبیعۀ ثانویۀ للانسان تحصل علی أثر المرونۀ و الالف.
و علیه فقوله تعالی: إِنَّ الْحَسَ ناتِ یُذْهِبْنَ السَّیِّئاتِ یعنی: ان مرتکب الحسنات المتعود علیها، لتبلغ به عادته تلک الحسنۀ، إلی حیث
صفحۀ 234 من 268
تذهب عن حیاته السیئات فلا یرتکبها بحسب ذاته و اعتیاده علی الصلاح، فیا لها من عادة حسنۀ و نعمت! قلت: و ان فی الصلاة-
. خصوصها- لأثرا تربویا نفسیا لیس فی سائر ( 1) النحل: 119
2) تفسیر التبیان: ج 6 ص 80 (ط نجف). )
ص: 406
العبادات. انها تجسید لمقام العبودیۀ تجاه المعبود العظیم. ان العبد إذا وقف بین یدي مولاه فی الصلاة، لیشعر بضآلۀ موقفه تجاه رب
العالمین، یري من نفسه ذلک المحتاج الفقیر العاجز الحقیر، واقفا بین یدي مولاه الغنی المقتدر العظیم، ضارعا الیه خاشعا متواضعا،
سائلا راغبا، طالبا عنایته و رأفته و رحمته.
و من أمعن النظر فی مقاطع سورة الفاتحۀ و سائر أفعال الصلاة و أذکارها لیتجلی له هذا الموقف الخطیر و تلک الصلۀ الوثیقۀ التی
تربط العبد المؤمن إلی مولاه الکریم. و من ثمّ کانت الصلاة معراج المؤمن.
و العبد المؤمن إذا کان یعاهد مولاه کل یوم خمس مرّات فی تلک الخشیۀ و الخضوع، و الرغبۀ و الرهبۀ، و المسألۀ و الطلب و ابداء
الحاجۀ و الافتقار، اعترافا بمقام ربه العظیم و سطوته القاهرة ... لینقلع بنفسه عن ارتکاب القبائح و اقتراف الذنوب، استحیاء من ربه و
خجلا أن یعود إلی ربه ناقضا عهده نابذا اعترافه و اقراره علی نفسه بالصغار و الهوان! و من ثمّ قال تعالی: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهی عَنِ
یعنی تلک الصلاة التی اقیمت بحدودها و شرائطها، مع الالتفات إلی جوانب فحوي اذکارها .«1» الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْکَرِ، وَ لَذِکْرُ اللَّهِ أَکْبَرُ
و أفعالها، ذات التأثیر العمیق فی الروح و فی تربیۀ التقوي فی النفس.
إذن فالحسنات یذهبن السیئات، أي لا یدعن مجالا لارتکابها، إذا کان المحسن (المصلی) مخلصا فی احسانه (فی صلاته) تجاه رب
العالمین.
.«2» -2 و قال تعالی: إِنْ تَجْتَنِبُوا کَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُکَفِّرْ عَنْکُمْ سَیِّئاتِکُمْ وَ نُدْخِلْکُمْ مُدْخَلًا کَرِیماً
. أي الصغائر مغفورة علی شریطۀ اجتناب الکبائر. ( 1) العنکبوت: 45
. 2) النساء: 31 )
ص: 407
.«1» -3 و قال: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ یَجْعَلْ لَکُمْ فُرْقاناً وَ یُکَفِّرْ عَنْکُمْ سَیِّئاتِکُمْ وَ یَغْفِرْ لَکُمْ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِیمِ
إذا کان المؤمن محافظا علی دینه متقیا ربه فی السر و العلن، جعل اللّه له نورا یستضیء به درب الحیاة، و بصیرة فی قلبه یلمس بها
حقیقۀ الامور. و هذا بطبعه یجتنب الکبائر من الذنوب و لا یقترفها قط، فتصبح صغائره مغفورة له، و یدخل علی ربه فی کرامۀ و
تبجیل.
-4 و قال: وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ (أي واظبوا علیها) لَنُکَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَیِّئاتِهِمْ (الصغائر) وَ لَنَجْزِیَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي کانُوا یَعْمَلُونَ
اللهم إلّا اذا عمل سیئۀ ثمّ تاب عنها و ندم علیها، حیث .« عامل الصالحات » لان مرتکب الآثام و الجرائم الکبار لا یطلق علیه عنوان .«2»
لا خلاف فی غفران ذنبه.
-5 وَ الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَ صَ دَّقَ بِهِ أُولئِکَ هُمُ الْمُتَّقُونَ. لَهُمْ ما یَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِکَ جَزاءُ الْمُحْسِنِینَ. لِیُکَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي
و لو أخذنا باطلاق الآیۀ فالمراد: إذا .«4» وَ یَجْزِیَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي کانُوا یَعْمَلُونَ «3» ( عَمِلُوا (من شرك و ذنوب قبل اسلامهم
تابوا عنها. و لا شک ان الذین یصفهم القرآن بهذا الوصف الحسن و یثنی علیهم بهذا الثناء الجمیل، هم ممن إذا فعلوا فاحشۀ ندموا
علیها و استغفروا اللّه، فوجدوا اللّه توابا رحیما.
-6 و هکذا قوله: الَّذِینَ کَفَرُوا وَ صَ دُّوا عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ. وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ آمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلی مُحَمَّدٍ، وَ
.«5» هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ، کَفَّرَ عَنْهُمْ سَیِّئاتِهِمْ وَ أَصْلَحَ بالَهُمْ
صفحۀ 235 من 268
. 1) الانفال: 29 ) .«6» -7 و قوله: وَ مَنْ یَتَّقِ اللَّهَ (فی الکبائر) یُکَفِّرْ عَنْهُ سَیِّئاتِهِ
. 2) العنکبوت: 7 )
3) هذا التفسیر ینظر الی ما بین هذه الآیۀ و سابقتها من تقابل الشرك و الاسلام و ما یترتب علیهما من آثار و نتائج. )
.35 - 4) الزمر: 33 )
.2 - 5) محمّد: 1 )
. 6) الطلاق: 5 )
ص: 408
.«1» -8 و قوله: وَ مَنْ یُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَ یَعْمَلْ صالِحاً یُکَفِّرْ عَنْهُ سَیِّئاتِهِ
.«2» -9 و قوله: وَ یُکَفِّرَ عَنْهُمْ سَیِّئاتِهِمْ
أي إذا اجتنبتم الکبائر. «3» -10 و قوله: عَسی رَبُّکُمْ أَنْ یُکَفِّرَ عَنْکُمْ سَیِّئاتِکُمْ
و هکذا سائر الآیات مما یدل علی تکفیر السیئات، یکون مشروطا بالتوبۀ أو إذا کان مرتکبها مجتنبا للکبائر. جمعا بینها و بین ما دلّ
علی الاشتراط المذکور، و ان الذنب مما یستحق فاعله العقاب إذا لم یندم و لم یعمل ما یکفر عنه.
.«4» -11 و قال تعالی: إِلَّا مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلًا صالِحاً، فَأُوْلئِکَ یُبَدِّلُ اللَّهُ سَیِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ، وَ کانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِیماً
هذا التبدیل بالأعمال هو أثر طبعی لتبدل الشخص بالتوبۀ، من کافر ملحد کانت أعماله و اتجاهاته فی الحیاة معاکسۀ للفطرة، و فی
مضادة إرادة اللّه و تشریعه الحکیم ... إلی مؤمن صادق، صارت أعماله و اتجاهاته موافقۀ للفطرة و علی النهج المستقیم الذي اراده اللّه
و شرعه علی ید أنبیائه العظام، و من موجود طالح کان یبغی الفساد فی الأرض، إلی شخصیۀ صالحۀ بناءة تزدهر بوجوده الحیاة العامۀ.
فربما کانت نفس الاعمال التی کان یقوم بها حال کفره، و کان ملؤها الفساد و الهدم و التخریب، انقلبت ببرکۀ الاسلام إلی اعمال
صالحۀ یعمر بها وجه الأرض، کبطل کان یضرب بالسیف قتلا و نهبا فی سبیل محاربۀ الحق و نقض العدالۀ، و قد أصبح- بعد اعتناقه
. الاسلام- ذلک الضرب بالسیف و القتل و النهب الذي کان سیئۀ کبیرة، إلی حسنۀ و جهاد فی سبیل اللّه و فی ( 1) التغابن: 9
. 2) الفتح: 5 )
. 3) التحریم: 8 )
. 4) الفرقان: 70 )
ص: 409
سبیل اعلاء کلمۀ الحق، و بسط العدالۀ علی وجه الأرض.
ینقلب بعد الاسلام فینفق فی سبیل اعلاء کلمۀ اللّه، لتصبح «1» و هکذا الانفاق فی سبیل الصدّ عن سبیل اللّه، لیکون علیهم حسرة
.«2» تجارة رابحۀ لن تبور
و غیرهما من کبار المفسرین، ان شئت «4» و الشیخ أبو علی الطبرسی «3» و قد ذکروا فی تفسیر الآیۀ وجوها اخر، ذکرها الامام الرازي
فراجع.
و هناك روایات ناصۀ علی أن اتباع السیئۀ بالحسنۀ یمحقها و یذهب بأثرها. و لا بدّ من تأویلها- کما فی الآیات السالفۀ- بما إذا کانت
السیئۀ صغیرة أو کانت الحسنۀ مصحوبۀ بتوبۀ عن الذنب السابق. فإذا اقترف انسان خطیئۀ و ندم علیها فأراد التوبۀ و الاستغفار، فان من
آداب التوبۀ ان یقوم بحسنۀ یقدمها إلی اللّه، ثمّ یتضرّع الیه ان یغفر له ما فرط منه من ذنب. و لعل أکثریۀ الأحادیث الواردة بهذا
الشأن ناظرة الی هذا المعنی، و الیک منها:
-1
صفحۀ 236 من 268
.«5» « اتق اللّه حیث کنت، و خالق الناس بخلق حسن و إذا عملت سیئۀ فاعمل حسنۀ تمحوها » :( قال رسول اللّه (صلّی اللّه علیه و آله
-2
.«6» « فإذا عملت سیئۀ فأتبعها بحسنۀ تمحها سریعا. و علیک بصنائع الخیر، فانها تدفع مصارع السوء » :- و قال- أیضا
-3
.«7» « ما أحسن الحسنات بعد السیئات، و ما أقبح السیئات بعد الحسنات » :( و قال الامام الباقر (علیه السلام
-4
. إنّی لم أر شیئا قط أشد طلبا، و لا أسرع درکا، من ( 1) الانفال: 36 » :- و قال- أیضا
. 2) فاطر: 29 )
. 3) التفسیر الکبیر: ج 24 ص 112 )
. 4) مجمع البیان: ج 7 ص 180 )
. 5) امالی الطوسی: ج 1 ص 189 . و البحار: ج 71 ص 242 برقم 3 )
6) بحار الانوار: ج 71 ص 242 برقم 2 عن تفسیر علی بن إبراهیم. )
. 7) أمالی الصدوق: ص 153 . و البحار: ج 71 ص 242 برقم 1 )
ص: 410
.«1» « حسنۀ محدثۀ لذنب قدیم
-5
من عمل سیئۀ فی السر فلیعمل حسنۀ فی السر و من عمل سیئۀ فی العلانیۀ فلیعمل حسنۀ فی » :( و قال الامام الصادق (علیه السلام
.«2» « العلانیۀ
الموازنۀ أو المحاطۀ:
فقال بمقابلۀ الحسنات مع السیئات لیسقط الأقل بالأکثر مقدارا و یبقی الفاضل من أحدهما -«3» أمّا الموازنۀ التی ذهب الیها أبو هاشم
یثاب علیه أو یعاقب محضا- فمما لا دلیل علیه فی الشریعۀ و لا شاهد علیه فی الکتاب و السنۀ، فضلا عن مخالفته لقانون المجازاة علی
ذوات الاعمال من غیر مفاضلۀ بین عمل و آخر فی ترتب المثوبۀ و العقاب. و قد تقدّم اطلاق ما دلّ علی أن کل عمل بذاته یستحق
فاعله جزاء متماثلا لما ارتکبه من خیر أو شر.
و عمدة ما یبطل هذا المذهب: أن فرضیۀ التحاط بحاجۀ إلی ثبوت السنخیۀ و المناسبۀ الذاتیۀ بین المتقابلین، لیوازن أحدهما بالآخر و
یسقط الأقل، کما فی باب التهاتر فی الدیون، فإذا کان له علی صاحبه عشرة دراهم، و کان صاحبه یطلبه أیضا دراهم، فانه یحصل
التهاتر أمّا قهرا أو بالمواضعۀ، لأنّ کلا من الحقین مفروض کونهما نقدین، لا إذا کان أحدهما نقدا و الآخر عرضا. أو أحدهما مال و
الآخر حق.
و هنا- فی مسألۀ الموازنۀ- هل یتحاط نفس العملین، أحدهما خیر و الآخر شر؟ أو یتحاط جزاؤهما من مثوبۀ و عقوبۀ؟ مثلا إذا قام
المکلّف بسیئۀ هی من مقولۀ الاعمال کالزنا و شرب الخمر، أو تجاوزا بحقوق الآخرین کالغصب ( 1) علل الشرائع للصدوق: ج 2 ص
.280
2) معانی الاخبار للصدوق: ص 255 (ط نجف). )
. 3) انظر: شرح الاصول الخمسۀ للقاضی: ص 628 )
صفحۀ 237 من 268
ص: 411
و ضرب الیتیم، ثمّ أتی بحسنۀ هی من قبیل الأذکار کالتسبیحات الأربع، أو مزیجا من الأفعال و الاذکار کنافلۀ اللیل، مما لا تناسب
بینها و بین السیئات التی قام بها ... فبما ذا یتقابل العملان؟
هل لفاحشۀ الزنا قدر یتقدر علیه التسبیح و التقدیس؟ أم هل للصلاة مقیاس و درجات یقاس علیها الغصب و ضرب الیتیم؟
و لئن زعم الزاعم ان الموازنۀ سوف تلاحظ بین مثوبات الاعمال و عقوباتها! قلنا: لو فرض ان عقوبۀ آکل مال الیتیم عشرة من الحیات،
ینهشنه کل یوم عشر مرّات و کانت مثوبۀ تسبیحۀ واحدة سبعین من الحور العین یتلاعبن معه کل صباح سبعین دورا. فهل یسقط من
سبعین حورا عشرة علی قدر الحیات، و ینقص من ادوار التلاعب معهن أیضا عشرة علی قدر النهشات التی استحقهن آکل مال الیتیم؟!
و ان کانت الدقۀ فی المحاسبۀ تقتضی سقوط مقدار أقل! ثمّ هل الملحوظ- حقیقۀ- عند التقابل و الموازنۀ، جانب کم القضیۀ أم
کیفها؟ و هل یقاس حجم السیئۀ مع الحسنۀ أم عددهما أم جانب تأثیرهما.
نفسیا و اجتماعیا و ما إلی ذلک؟! أم ذاك موکول الی علمه تعالی حسبما یراه من ترجیح و مقایسۀ؟! کل ذلک مما لم یرد بشأنه
دلیل لا فی الکتاب و لا فی السنۀ الصحیحۀ. حتی و لو فرضنا ان الفرضیۀ أمر ممکن بالذات. لکن لیس کل ممکن واقعا، و لا جاز
الاعتقاد به ما دام لم ینطق به الشرع المبین. و إلّا کانت بدعۀ خاطئۀ فی اصول عقائد الدین! و العجب من بعض ارباب الفضیلۀ، أنّه
.«1» ! حاول تقویۀ مذهب أبی هاشم فی الموازنۀ، لمجرد انها نظریۀ ذات امکان
نعم هناك روایۀ
. رواها أبو الفتح محمد بن علی الکراجکی عن شیخه أبی ( 1) انظر: القول السدید: ص 397
ص: 412
یوقف العبد بین یدي اللّه تعالی، فیقول: قیسوا بین نعمی » : عبد اللّه المفید باسناد متصل إلی الامام أمیر المؤمنین (علیه السلام)، قال
علیه و بین عمله، فتستغرق النعم العمل. فیقولون: قد استغرق النعم العمل! فیقول: هبوا له النعم، و قیسوا بین الخیر و الشر منه، فان
استوي العملان أذهب اللّه الشر بالخیر و أدخله الجنۀ، و ان کان فضل أعطاه اللّه بفضله. و ان کان علیه فضل، و هو من أهل التقوي و
.«1» « لم یشرك باللّه تعالی و اتّقی الشرك به، فهو من أهل المغفرة، یغفر اللّه له برحمته ان شاء، و یتفضل علیه بعفوه
لکن الروایۀ من جهۀ الاسناد غیر نقیۀ، إذ المفید یرویها عن أحمد عن أبیه الحسن بن الولید عن الصفار عن علی بن محمد القاسانی-
و هو مختلف فیه أو ضعیف- عن القاسم بن محمد الاصبهانی- لم یوثق و قد غمز فیه بعضهم- عن سلیمان بن خالد المنقري- هذا
العنوان مختلط، لان المنقري هو سلیمان بن داود لا ابن خالد- عن سفیان بن عیینۀ- و هو عامی علیه ملامح سفاهۀ- عن حمید بن
زیاد- أیضا عامی ضعیف- عن عطاء بن یسار مولی میمونۀ زوج النبیّ (صلّی اللّه علیه و آله) و لم یوثق صریحا- عن أمیر المؤمنین
(علیه السلام).
.«2» هذا مع الغض عن کونه خبرا واحدا لا یوجب علما و لا عملا
و أخیرا فان هذا الحدیث إلی ما یخالف مذهب الحبط و الموازنۀ أقرب من أن یوافقه. لانه ینظر إلی جانب فضله تعالی و رحمته
و ان کان علیه ( 1) بحار الانوار: ج 5 ص » . هذا یخالف فرضیۀ الموازنۀ تماما « فان استوي العملان أذهب اللّه الشر بالخیر » ، الواسعۀ
335 نقلا عن کنز الفوائد للکراجکی. -334
2) المعتبر فی باب اصول العقائد هو العلم القطعی، فلا حجیۀ لاخبار الآحاد فی ذاك الباب، لانها لا توجب علما. )
و کذا المعتبر فی باب الفروع الفقهیۀ ان تکون الروایۀ ذات صلۀ مباشرة بعمل المکلفین، لان الفقه بحث عن العمل ان واجبا و ان
حراما. فلا حجیۀ لروایات لا تعلق لها باعمال المکلفین فی هذه الحیاة. لانها لا توجب عملا.
ص: 413
صفحۀ 238 من 268
هذا یخالف مسألۀ الاحباط کاملا. إلی غیرهما من شواهد. .« فضل و هو من أهل التقوي ... یغفر اللّه له برحمته ان شاء
سیئات تمحق الایمان:
ورد بشأن کثیر من المعاصی انها تمحق الایمان محقا، و من ثمّ فهی تذهب بالحسنات، حیث کان من شرط المثوبۀ هی الموافاة علی
الایمان. و علیه فربما یکون مرتکبها مسلما فی ظاهره، لکنه فی قرارة نفسه کافر باللّه العظیم، و من ثمّ فان أعماله بمعرض الهباء و
الاندثار.
فقد ورد بشأن المتکبر انه لا یدخل الجنۀ، و معناه ان سیئۀ التکبر أذهبت حسناته کلها و منها ثواب ایمانه، الأمر الذي یتنافی و مذهب
الامامیۀ ان لا حبط فی غیر الکفر. و من ثمّ استغرب محمد بن مسلم لما سمع ذلک من الامام،
فاسترجع محمد بن مسلم. قال الامام: مالک .« لا یدخل الجنّۀ من کان فی قلبه مثقال حبۀ من خردل من الکبر » :( قال (علیه السلام
.«1» « لیس حیث تذهب انما أعنی الجحود، انما هو الجحود » : تسترجع؟! قال: لما سمعت منک! فقال الامام
ففسر (علیه السلام) الکبر الموجب للاحباط، بالتکبر علی اللّه و الجحود و لو لبعض أحکامه، و هو الکفر محضا. فقد عرفنا ان لیس
مطلق التکبر ما حقا للحسنات و الایمان و انما هو التکبر تجاه رب العالمین.
.« ان الکبر أدناه » : سئل الامام الصادق (علیه السلام) عن أدنی الالحاد، فقال
. 1) الکافی الشریف: ج 2 ص 310 برقم 7 ) .«2» « الکبر رداء اللّه، و المتکبر ینازع اللّه رداءه » :( و قال الامام الباقر (علیه السلام
. 2) نفس المصدر: ص 309 برقم 1 و 4 )
ص: 414
لان الذي لا یملک نفسه عند الغضب قد یقوم باعمال هی .«1» و هکذا ورد بشأن الغضب انه یفسد الایمان کما یفسد الخل العسل
تناقض الایمان و تمحقه محقا،
.« الغضب ممحقۀ لقلب الحکیم » :( قال الامام أبو عبد اللّه الصادق (علیه السلام
و
.«2» « من لم یملک غضبه لم یملک عقله » : قال
و نظیره ما ورد بشأن الحسد.
و . «3» « آفۀ الدین الحسد و العجب و الفخر » :( قال الامام الصادق (علیه السلام
.«4» « ان الحسد یأکل الایمان کما تأکل النار الحطب » : قال
قال رسول اللّه (صلّی اللّه علیه و آله): قال اللّه- عزّ و جلّ- » :( و الحدیث التالی یکشف عن هذا السر، قال الامام الصادق (علیه السلام
لموسی بن عمران (علیه السلام): یا ابن عمران لا تحسدن الناس علی ما آتیتهم من فضلی، و لا تمدن عینیک إلی ذلک، و لا تتبعه
.« نفسک، فان الحاسد ساخط لنعمی، صاد لقسمی الذي قسمت بین عبادي، و من یک کذلک فلست منه و لیس منی
.«5» « المؤمن یغبط و لا یحسد. و المنافق یحسد و لا یغبط » :( قال الامام الصادق (علیه السلام
.«6» « إذا اتهم المؤمن أخاه، انماث الایمان من قلبه کما ینماث الملح فی الماء » : و قال الامام الصادق (علیه السلام) بشأن التهمۀ
1) المصدر: ص 302 برقم 1 من باب الغضب. ) .«7» « الغیبۀ أسرع فی دین الرجل المسلم من الآکلۀ فی جوفه » : و قال بشأن الغیبۀ
. 2) المصدر: ص 305 برقم 13 )
. 3) المصدر: ص 307 باب الحسد برقم 5 )
. 4) المصدر: ص 306 برقم 2 )
صفحۀ 239 من 268
. 5) المصدر: ص 307 برقم 6 و 7 )
. 6) المصدر: ص 361 باب التهمۀ و سوء الظن برقم 1 )
. 7) المصدر: ص 357 باب الغیبۀ و البهت برقم 1 )
ص: 415
.«1» « ان الکذب خراب الایمان » : و قال الامام الباقر (علیه السلام) بشأن الکذب
.« ان سوء الخلق لیفسد العمل کما یفسد الخل العسل » : و قال الامام الصادق (علیه السلام) بشأن سوء الخلق
و
.«2» « ان سوء الخلق لیفسد الایمان کما یفسد الخل العسل » : قال
و الأحادیث من هذا القبیل کثیرة و متنوعۀ فی التعبیر، کلها تنم عن فحوي واحد، هو أنّ من المعاصی ما یکشف عن شرك خفی کان
صاحبه یبطنه فأظهرته تلک المعصیۀ، و العمدة هو المنکشف لا الکاشف. کما ورد بشأن قوله تعالی: وَ مَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ
قال المفسرون: ذلک اذا کان قتله لایمانه، الکاشف عن کفر .«3» جَهَنَّمُ خالِداً فِیها وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَیْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِیماً
باطنی أظهره بقتل المؤمن، معاداة مع اللّه و محاربۀ للایمان.
من قتل مؤمنا علی دینه، فذلک التعمد ... قیل: و الرجل یقع بینه و بین » : فقد روي العیاشی عن الامام الصادق (علیه السلام) قال
صاحبه شیء فیقتله؟
.«4» « قال: لیس ذلک المتعمد الذي قال اللّه عزّ و جلّ فجزاؤه جهنم
و لذلک کان التعبیر بالکفر أو بعدم الایمان بشأن بعض المعاصی التی لا توجب شرکا و لا کفرا باللّه، مجازیا یراد به غیر ظاهره من
فقده بعض درجات الایمان لا أصله.
. ففی حدیث الأصبغ بن نباتۀ، قال: جاء رجل الی أمیر المؤمنین (صلوات ( 1) المصدر: ص 339 باب الکذب برقم 4
. 2) المصدر: ص 321 باب سوء الخلق برقم 1 و 3 )
. 3) النساء: 93 )
. 4) تفسیر العیاشی: ج 1 ص 367 برقم 226 . و الصافی: ج 1 ص 382 )
ص: 416
اللّه علیه) فقال: یا أمیر المؤمنین، ان اناسا زعموا أنّ العبد لا یزنی و هو مؤمن، و لا یسرق و هو مؤمن، و لا یشرب الخمر و هو مؤمن، و
لا یأکل الربا و هو مؤمن، و لا یسفک الدم الحرام و هو مؤمن! فقد ثقل علیّ هذا، و حرج منه صدري، حین أزعم أن هذا العبد یصلی
بصلاتی، و یدعو دعائی، و یناکحنی و اناکحه، و یوارثنی و اوارثه، و قد خرج من الایمان من أجل ذنب یسیر اصابه! فقال أمیر
المؤمنین (صلوات اللّه علیه): صدقت- ثمّ قسم الناس علی طبقات و منازل، و بین أنواع الارواح المودعۀ فی مختلف الناس، و ان
المؤمن لا یرتکب قبیحا إلّا و قد سلب منه روح من تلک الارواح، یعنی به درجۀ من درجات ایمانه، و لیس بالذي یدخل فی الکفر
رأسا.
إذا زنی الرجل فارقه روح » ( و قد أجمل الکلام عن ذلک الامام الباقر (علیه السلام) قال- فی قول رسول اللّه (صلّی اللّه علیه و آله
هو قوله تعالی: :-« الایمان
.«1» ذاك الذي یفارقه .« و أیدهم بروح منه »
و عن مسعدة بن صدقۀ قال: سمعت أبا عبد اللّه (علیه السلام) یعدد الکبائر، فقیل له: أ رأیت المرتکب للکبیرة یموت علیها، أ تخرجه
من الایمان، و ان عذب بها یکون عذابه کعذاب المشرکین أوله انقطاع؟
صفحۀ 240 من 268
قال (علیه السلام): یخرج من الاسلام إذا زعم انها حلال، و لذلک یعذب أشد العذاب. و أمّا ان کان معترفا بانها کبیرة فان عذابه
.«2» اهون، و انما یخرج من الایمان و لا یخرج من الاسلام
و الخلاصۀ: ان جمیع ما ورد بشأن بعض المعاصی أنّها تمحق الحسنات أو تذهب بالایمان، لا بدّ من تأویلها إلی کونها من المعاصی
381 برقم - التی تقطع رابطۀ العبد مع مولاه، و تجعله فی حالۀ جحود مع ربه، و لو فی باطن أمره. ( 1) الکافی الشریف: ج 2 ص 380
. 16 و 11
. 2) المصدر: ص 380 برقم 10 )
ص: 417
أو تکون معصیۀ یکون عدمها شرطا فی صحۀ العمل السابق کالریاء و السمعۀ و الایذاء و الامتنان، اذا وجدت ذهبت بأثر العمل هباء.
و أما ما عدا ذلک فانه مخالف صریح لقانون التماثل فی العقاب و متناف مع حکمته تعالی و عدله، و لقوله تعالی: فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ
. 1) الزلزلۀ: 7 ) .«1» ذَرَّةٍ خَیْراً یَرَهُ
ص: 418
تنزیه الانبیاء:
مسألۀ عصمۀ الأنبیاء جمیعا مما اتفقت علیه کلمۀ المسلمین، فقالوا: یجب أن یکون النبیّ المرسل من عند اللّه معصوما عن الخطأ و
الزلل، و إلّا لزالت الثقۀ به عند الناس و هان أمره و لم تکن له کرامۀ! لکنهم اختلفوا من ذلک فی موضعین:
الأوّل: فی خصوص الصغائر، فقال جمهور أهل السنۀ: یجوز ان یرتکب النبیّ صغائر الذنوب، و لو فی حال نبوته، ما لم یکشف عن
خسۀ فی نفسه أو ان یمس کرامته المنیعۀ.
الثانی: فی الکبائر قبل الوحی علیه. فقالت الأشاعرة: یجوز أن یرتکب النبیّ- قبل ان یبعث- الذنوب و الکبائر کلها ما عدا الکفر و
.«2» أمّا المعتزلۀ فقالوا بامتناع ذلک علیه اطلاقا .«1» الشرك باللّه العظیم
.«3» أمّا الامامیۀ فقالوا بوجوب عصمۀ کلّ نبیّ عن الذنوب کلها، صغیرها و کبیرها اطلاقا، قبل البعثۀ أم بعدها
و یتلخص الاستدلال علی ذلک فی أن ارتکاب الآثام یوجب تنفّرا فی طباع الناس، فضلا عن زوال الثقۀ عمن جاز بشأنه ارتکاب
الذنوب و الخطایا ( 1) راجع: شرح العقائد النسفیۀ لمسعود بن عمر التفتازانی: ص 102 (ط کابل).
575 (ط القاهرة). - 2) راجع: شرح الاصول الخمسۀ لقاضی القضاة: ص 574 )
3) راجع: شرح تجرید الکلام للعلامۀ ابن المطهر الحلّی: ص 195 (ظ بومباي). )
ص: 419
کالکذب و سائر القبائح. فلا یحصل له من العامّۀ ذلک الانقیاد و الاستسلام التام إذا عرفوا منه ذلک. و لأن النبیّ یجب ان یتّبع فی
جمیع أفعاله و أقواله، و هل إذا فعل فاحشۀ- فرضا- یتابعوه فیها أو یمانعوه، و الأول نقض لغرض الرسالۀ، و الثانی استصغار بشأنه و
قلب لموقفه من کونه منکرا علی الناس قبائحهم، فأصبح هو منکرا علیه. و من القبیح جدا أن یکون الآمر بالمعروف تارکا له، و الناهی
أي أ فلا تشعرون بقبح هذا الموقف «1» عن المنکر فاعلا له أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَ کُمْ وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْکِتابَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ
المتناقض فی نظر العقلاء! قالت الامامیۀ: جلّ هذا الاستدلال یعم حالته قبل البعثۀ و بعدها. من غیر فرق بین الخطایا أن تکون کبیرة أو
صغیرة، بعد أن کانت کلها مما یسلب الثقۀ به و موجبا لتنفر طباع الناس عنه.
و لسنا الآن بصدد البحث عن مسألۀ العصمۀ و جوانبها المترامیۀ. لأنّه خارج عن موضوع کتابنا، و انما یهمنا جانب شبهات ربما تعلقت
بها أصحاب الحشو من المسلمین، و غیرهم من الملحدین. فجوّزوا علی الأنبیاء ارتکاب الذنوب و الخطایا اطلاقا حتی علی عهد
صفحۀ 241 من 268
بعثتهم إلی الناس. و تمسکوا بآیات زعموها ظاهرة فی ذلک، و أضافوا الیها أباطیل حاکتها أقاصیص اسرائیلیۀ روّجها العهد الأموي
الغاشم فادخلها فی التفسیر بقوة المال و السیف!.
و لنستعرض الآیات قبل کلّ شیء، و نتبعها بتأویلاتها السلیمۀ أو المأثورة بأسانید صحیحۀ عن مهابط وحی اللّه (علیهم السلام) و هم
أدري بما أراده اللّه تعالی فی کتابه العزیز الحمید. و ستکون مترتبۀ حسب ترتیب النبوّات، من لدن آدم (علیه السلام) إلی نبیّا (صلّی
. اللّه علیه و آله و سلّم). و نحاول- مبلغ جهدنا- ( 1) البقرة: 44
ص: 420
فی ایجاز واف ان شاء اللّه و بحوله و قوته: «1» الاقتصار و الاختصار
خطیئۀ آدم: